مولد نور الهداية
يغتبط العالم الإسلامي بشهر ربيع الأول، لما حدث فيه من نعمة جليلة على الإنسانية والعالم كله، وهي نعمة بروز الذات المحمدية من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ليكون الرسولَ الخاتَم الذي دعا به إبراهيم - عليه وعلى ولده سيدنا محمد الصلاة والسلام - وبُشرى عيسى عليه السلام.
أخرجه في هذا الشهر من عام الفيل سنة 571 من ميلاد أخيه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، في ذلك العام الذي كادت خضراءُ مكة تُستباح بالغزو الصليبي الحبشي الذي قدم بجيشه الجرار ليهدم الكعبة المشرفة، ويستبيح بيضاء مكة، وهي على موعد من هذه الولادة الميمونة، فما كان الله ليسلطه وهو الذي قد اصطفى من هذا البلد الأمين محمداً عليه الصلاة والسلام ليقوم بأعباء الرسالة الحنيفية ملة أبيه إبراهيم عليه السلام.
ما كان الله ليسلطه على مكة وفيها هذه الجوهرة المكنونة من صلب عبدالله بن عبدالمطلب، وفي رحم آمنة بنت وهب اللذين لقيا ربهما قبل أن يشع نور هذه الجوهرة للعالمين، فكانا من أهل الفترة الناجين بنص الكتاب المبين.
ما كان الله ليسلطه على استباحة مكة وهي على موعد من هذه الولادة الميمونة التي ستهدم الأوثان، وتعيد العباد لعبادة الواحد الديان سبحانه.
كان كل ذلك في هذا الشهر المبارك الذي يراه المسلمون فاتحة النور الإلهي لعباده الذين خلقهم حنفاء فاجتالتهم الشياطين فأصبح أكثرهم يشركون به غيره، ويعبدون أصناماً من دون الله تعالى، ولولا هذه الولادة الميمونة لما خرج الناس من الظلمات الوثنية إلى نور الهداية، ولعاشوا كما عاش مَن قبلهم في ضلال مبين، ولولاها ما كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، ولولا هذه الولادة لم نكن من أهل القرآن الذي تنزَّل عليه، وشرفنا الله تعالى به، ولولا هذه الولادة لم نكن شيئاً نذكر بين الأمم.
إن مناسبات الأحداث التي يحييها الناس في أوقاتها وإن جلّت وشرفت فإن ذكرياتها مرتبطة بجيل أو أجيال وزمن أو أزمان ثم ينساها الناس، أما ذكرى ولادة السراج المنير، والبشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه وإلى الصراط المستقيم، فإنها متعاقبة لا تبيد حتى تذهب الحياة الدنيا، لأن الإسلام الذي جاء به هذا المولود عليه الصلاة والسلام سيبقى ظاهراً على الدين كله، ولن ينطفئ نوره حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وستبقى هذه الذكرى متعاقبة بين أتباعه المؤمنين، كلما تجددت زادتهم إيماناً به، ومحبة له، واتباعاً له، وتشوفاً لرؤيته، وصلاة وسلاماً عليه كما أمرهم ربهم، وحثهم على ذلك نبيهم عليه الصلاة والسلام.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه