خبيئة عمل

الدكتور هشام الزهراني

الأعمال الصالحة كثيرة، ولها تقسيمات باعتبارات مختلفة، فمنها أعمال قولية وأعمال فعلية، وهذه الأقوال والأفعال تنقسم إلى أعمال ظاهرة كذكر الله والصلاة، وأعمال باطنة كالإخلاص والتوكل، ومنها ما هي واجبة ومنها ما هي مستحبة، فالواجبة تُقدم على المستحبة، فإيتاء الزكاة مقدم على بذل الصدقة العامة، لأن المرء يحاسب على الواجب، ويُرَّغب إلى الأعمال المستحبة، والأعمال المستحبة التطوعية كلما كانت أكثر خفاء عن أعين الناظرين، كانت أدعى إلى قبولها، لأنها ألصق بالإخلاص.

ومنها ما جاء في الحديث: «مَنِ استطاعَ منكم أنْ يكونَ لَهُ خَبْءٌ مِنْ عمَلٍ صالِحٍ فلْيَفْعَل»

والمقصود من خبيئة العمل، هو ذلك العمل الصالح الذي يقوم به الإنسان في السرّ دون أن يعلمه أحد، حتى لو استطاع أن يخفيه عن أقرب الناس إليه، فذلك حسن. فهو أحد أشكال الإخلاص لله، حيث يبذل المرء العبادة بعيداً عن أعين الناس.

وتتميّز خبيئة العمل بكونها وسيلة لتصفية القلب من الرياء، فهي تذكّر الإنسان بأن عمله لم يكن من أجل مدح الناس أو كسب مكانة اجتماعية، بل هو تواصل خاص بينه وبين خالقه، ولكن لا يمنع ذلك أن يسوق الله له مكانة اجتماعية أو رزقاً تبعاً لا أصالة.

وفي زمن انتشار التواصل الاجتماعي، على المسلم أن ينتبه من إعلان الطاعات، لأنه قد يورث العجب والتفاخر، فينقلب العمل سمعة ورياء، خصوصاً أن المقاطع تنتشر خلال لحظات يسيرة، ليشاهدها ملايين البشر، وقالوا حب الظهور يقصم الظهور.

ولكن على العكس تماماً في واقع الجمعيات الخيرية، حيث من المستحسن إظهار أنشطتها، تحفيزاً للمجتمع، وإظهاراً للحاجة حتى يقبل المحسنون على فعل الخير، وكذلك دفعاً للظنون الخطأ، ودحضاً للتهم الواهية.

ومن الأمثلة على خبيئة العمل: الصدقة الخفية، كأن تتعهد أسرة أيتام تمنحهم مالاً أو مؤنة طعام، بما يكفيهم شهراً، فجاء أن فقراء فقدوا طعامهم الذي كان يأتيهم كل يوم حينما مات العابد الزاهد زين العابدين، فعلموا أنه من كان يزوّدهم طيلة حياته بذلك الطعام.

ومن خبيئة العمل الصلاة في جوف الليل، وقد بات الناس في مضاجعهم، فتنهض ليلك لتبوح بما هو مستكن في فؤادك أو حتى الدعاء الصادق في الخلوة. هذه الأعمال تعزز القرب من الله، وتزيد من الأجر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، ومن بينهم «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر