استدامة جمعيات النفع العام.. من التبرعات إلى الابتكار

محمد سالم آل علي

تعلمون جميعاً مقدار الدور الحيوي الذي تلعبه جمعيات النفع العام في تقديم خدمات متنوعة، تُعزز من التنمية المجتمعية، وتسهم في سد الفجوات الخدمية في الكثير من الأماكن، إلا أن ما قد يخفى عليكم هو أن معظم تلك الجمعيات، التي تجاوز عددها حاجز الـ300، تواجه اليوم تحديات كبيرة تتعلق بالتمويل والإدارة والموارد البشرية، الأمر الذي قد يؤثر في قدرتها على الاستمرار على المدى الطويل، ويطرح تساؤلاً مشروعاً حول ضرورة استدامتها التي باتت اليوم أكثر إلحاحاً بكثير مما كان في السابق.

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحاً أقول إن تطبيق الاستدامة على تلك الجمعيات لا يعني البحث عن سبل زيادة الإيرادات والتمويل، وإنما التحول الكامل من الاعتماد على التبرعات والإعانات إلى إطلاق برامج نوعية ذات دور مجتمعي أوسع، تسهم في تحقيق انتشار الجمعيات، وتحقق استدامتها المالية، مهما كانت الظروف والتحديات، أي أن التركيز على تقديم برامج نوعية حسب تخصص كل جمعية يفتح أمامها فرصاً كبيرة لتحقيق انتشار أوسع وتأثير أكبر، فعندما تعمل مثلاً جمعية رياضية ما، على تنظيم بطولات ومسابقات على الصعيدين المحلي والدولي، أو عندما تقوم جمعية تعمل في المجال الثقافي بإطلاق برامج تدريبية وورش عمل ومؤتمرات ذات صلة، فإنها بلاشك ستسهم في تنمية المهارات المجتمعية، والأهم أنها ستوفر مصدر دخل مستقلاً يدعم الاستدامة المالية، ويقدم فرصاً سانحة أمام المزيد من الابتكار والتطوير.

وبالطبع لا يقتصر الأمر هنا على البرامج والنشاطات، بل يمكن للجمعيات الاستثمار في بناء كفاءاتها الإدارية، وتنمية مهارات فرق العمل من خلال آليات التدريب المستمر، إضافة إلى تعزيز الشراكات مع القطاعين الحكومي والخاص بهدف تنويع مصادر الدخل وزيادة فرص التمويل.

ولا أضيف جديداً حينما أقول إنه وفي إطار الاستدامة، تبقى الشفافية دوماً عنصراً جوهرياً في تحقيق المستهدفات، فاستدامة الجمعيات تعتمد بشكل كبير على قدرتها على تقييم أدائها وبرامجها، لأنها حينئذ ستنجح في تحديد نقاط القوة والضعف، وبالتالي اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة للتطوير والتكيف مع التحديات.

لاشك في أن الانتقال من التبرعات إلى تطوير برامج نوعية متخصصة يمثل تحولاً استراتيجياً في صميم جمعيات النفع العام، لكن الأكيد هو أن هذا التحول سيمنح الجمعيات الاستقلال المالي، ويحررها من جميع القيود، وسيمكّنها حتماً من تحقيق أهدافها المجتمعية الأوسع، المتمثلة في التوعية والتمكين، وتعزيز مسيرة التنمية المستدامة.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر