رقمنة الشعر الحديث

د. كمال عبدالملك

تحتل غرفة الشعر «وودبيري» في الطابق الثالث من مكتبة لامونت، بجامعة هارفارد، مكانة فريدة كمركز يضم كلمات وصور وأصوات الشعر الحديث والمعاصر. فمنذ الثلاثينات من القرن الماضي، بدأت هذه الغرفة في جمع وتوثيق تسجيلات صوتية ومرئية، تشمل آلاف الساعات من القراءات الشعرية، والمقابلات، والمحاضرات، وورش العمل، والندوات، والتاريخ الشفوي، والمناقشات الجماعية، والبث الإذاعي، والعروض المسرحية، وحفلات الموسيقى الشعبية، وحتى الخدمات التذكارية.

وبفضل منحة «المعرفة العامة» التي تبلغ قيمتها 250 ألف دولار من «مؤسسة ميلون»، ستحظى غرفة الشعر الآن بفرصة الحفاظ على «مكتبة الأصوات» وتوسيعها. ستتيح هذه المنحة رقمنة 2000 تسجيل نادر ومهدد بالخطر من تسجيلات «ريل تو ريل»، إضافة إلى إنشاء موقع إلكتروني يُطلق عليه «مكتبة الأصوات»، وهو منصة رقمية ستتيح للزوّار التفاعل بطرق جديدة مع هذه التسجيلات الأدبية.

وفي عددها الصادر يوم 26-8-2024، أوردت مجلة «هارفارد غازيت» تقريراً عن المشروع، قالت فيه كريستينا ديفيس، القيّمة على غرفة الشعر «كان أول استخدام لـ(غرفة الشعر) لهذه التقنية في عام 1947، حيث استخدمناها لتسجيل أول قراءة كبيرة T.S. Eliot لتوماس ستيرنز إليوت بعد الحرب في مسرح ساندرز. واستمر استخدام هذه التقنية حتى أوائل الثمانينات، وبالتالي من خلال الحفاظ على هذه التسجيلات، ننقذ مواد ثقافية وتاريخية غنية ومتنوعة».

هذه التسجيلات ليست سوى جزء من المواد المتنوعة التي وثقتها «غرفة الشعر»، والتي تشمل قراءات وعروضاً بلغات، مثل العربية، والتشيكية، والإستونية، والفنلندية، والفرنسية، والجاليكية، والألمانية، واليونانية، والهندية، ولغات أخرى.

بعد الانتهاء من مرحلة الرقمنة، سيعمل المشرفون مع شركة تصميم لإنشاء موقع «مكتبة الأصوات»، والذي سيضم أكثر من 150 تسجيلاً أرشيفياً وحديثاً من المجموعة، ما يمثّل نحو قرن من الكلمة المنطوقة.

هذا ما يحدث في الولايات المتحدة، أما في عالمنا العربي فإننا نجد أنه في ظل التطور التكنولوجي الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، مثل «يوتيوب» و«تيك توك» من الوسائل الفعّالة لنشر وترويج الشعر العربي، ما جعله أكثر قرباً من جمهور عالمي واسع. ويقدم العديد من القرّاء الشعر بأسلوب يُبرز جماليات النصوص، ويعكس عمقها العاطفي، وبعضهم أضافوا عناصر إبداعية، مثل دمج الإلقاء بالمرئيات والموسيقى.

ليتنا نرى مؤسساتنا الأكاديمية والثقافية تقوم بالإشراف على جمع وتسجيل الصوت الشعري، سواء في الجلسات الخاصة أو القراءات العامة، لكي تسهم هذه التسجيلات في إحياء التراث الشفوي العربي، جامعة بذلك بين تقاليد الماضي وأدوات الرقمنة الحديثة.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر