قد جاءكم من الله نور

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يخاطب الله تعالى جميع عباده بقوله سبحانه: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾، «ويعني بالنور محمداً صلى الله عليه وسلم، الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يُبيّن الحق»، كما قاله أبو المفسرين محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى، وهو خطاب لجميع الناس، ويدخل أهل الكتاب في هذا الخطاب دخولاً أولياً، لأنهم سبب نزول الآية الكريمة. يخاطبنا ربنا سبحانه بأنه قد أرسل لنا نوراً نهتدي به إلى الصراط المستقيم.

وهذا المجيء له بداية، وهو بزوغ النور المحمدي في هذا الكون الذي أضاءت منه قصور الشام، وخمدت عنده النيران، وتساقطت شرفات الإيوان، وحُرست السماء من شياطين الجان، كل ذلك عبّر عنه هذا المجيء الذي لم يكن كمجيء سائر بني الإنسان، لأنه اصطفاء من الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى.

وفي هذا التعبير القرآني إشارة إلى أن المجيء المحمدي له شأن قبل أن تكون بعثته، فإن البعثة الشريفة أثر من آثار مجيئه، فهو وسيلة لتحقيق غاية، والوسائل لها أحكام المقاصد، والتعبير به يدل على أن مجيء هذا النور سيظل نوراً مبيناً لا نهاية له، فبدايته الذاتية متصلة بالنور الإلهي الذي شعّ في الكون فكان سراجاً منيراً، وسيظل مشعّاً في الكون حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

إن مجيء النور المحمدي في شهر ربيع الأول يذكِّر من استضاء به بنعمة الهداية الربانية التي نالها فخرج من ظلمات الجحود إلى نورانية عالم الشهود، فشهد لربه بالوحدانية، ولهذا النور بالرسالة، فلم يكن كالذي يعيش في ظلمات الجهل والوثنية، أو في حيرة الإلحاد التي تجعله يعيش لا يدري لم وُجد، ولا أين المسير والمصير، فنور الهداية الذي ناله المسلم هو منحة ونعمة إلهية يحمد عليها ربه ويشكره عليها بجميع المحامد، ومن أجلّها اغتباطه بهذا النبي الذي اتبعه والذي هو وسيلته لربه، والذي سيشفع له، والذي تعرض عليه أعماله، والذي يفرح به ويباهي به الأمم، وإن صلى وسلم عليه ردّ عليه سلامه، ويصلي عليه الله بها عشراً، وإن أكثر من ذلك كان أحظى الناس به، وأقربهم منه منزلة، فإن كان قلبه عامراً بمحبته كان معه في منازل النبيين.

والتعبير عن ذلك كله في شهر مجيئه لهذا الكون، بقراءة سيرته وكثرة الصلاة والسلام عليه، هو دليل استشعاره لهذه المعاني الراقية، لا يختلف بشأنها العقلاء، ولا يفرط فيها النبلاء، فصلاة ربي وسلامه عليك أيها النبي يوم ولدت، ويوم مُت، ويوم تبعث حياً.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر