الأقربون أولى بالمعروف

الدكتور هشام الزهراني

عبارة درجت على ألسنة الناس، فبعضهم يظنها آية قرآنية، وآخرون ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بوصفها حديثاً نبوياً شريفاً، إلا أنها ليست آية ولا حديثاً، لكنها جملة شاعت في المجتمع، ويبقى مدلولها حقاً ومعناها صحيحاً، حيث جاءت نصوص الشريعة تؤكد هذا المعنى، فقال تعالى: «وبالوالدين إحساناً وبذي القربى»، فبدأ بالأقربين ثم ذكر سائر الأصناف الأخرى بعد ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم الأقرب فالأقرب.

عموماً لم يكن هذا موضوع مقالي الذي كنت أرغب في الكتابة فيه، ولكنني استقبلت في مكتبي أماً لأبناء وبنات تفطّر قلبي لقصتها، فقد كانت تعيش في أبهى القصور وأعلى الشُرف، وأفخر المركبات، وآل بها الحال إلى فقدان كل ذلك، فهي تستقل الأجرة أحياناً، وأحياناً «المترو»، وكثيراً ما تمشي على قدميها.

ولكن ليس هذا الذي اعتصر فؤادي له، إذ الأيام دُول يوم لك ويوم عليك، ولكن الذي آلمني أن أبناءها وبناتها يسكنون في بلاد الغربة منعّمين مكرمين، يسافرون من موطن إلى غيره، ويقضون أوقاتهم في التنزه والترفيه، لا يسألون عن أمهم التي كانت بعد توفيق الله سبباً في بلوغهم تلك المناصب العالية، والدرجات العلمية الرفيعة، ولا أعرف ما قيمة تلك المؤهلات والرتب إذا كانت تنزع الرحمة من القلوب.

تسألهم أمهم مالاً فيبعثون شيئاً يسيراً جداً جداً متذمّرين من أنها تفسد عليهم إجازاتهم، فهم يطلبون الراحة والاستجمام، وسبيل ذلك أن تكف الأم في الفترة الحالية عن التواصل معهم.

وهذا يذكّرني بمن يسأل أهل العلم هل يجوز له أن يعطي والديه من زكاة ماله. سبحان الله كيف تبلدت بعض النفوس ويبست مشاعرها، فيرى صاحبها أنه إذا منح والديه بعضاً من زكاة المال الذي يفي ببعض احتياجهم فقد قدّم لهم معروفاً جميلاً. وأما تلبية بقية الاحتياجات فليست من اهتمام الابن، وعلى الأب أن يشقى لنيلها، ولا أعرف كيف تجمد عيونهم وتقر نفوسهم وهم يعلمون أن آباءهم وأمهاتهم بحاجة إليهم.

والإحسان والبذل للوالدين قد يكون واجباً على الأبناء، وقد يكون مستحباً، ويكون مستحباً أيضاً على ذوي القرابة، وهو أفضل من مساعدة مَن ليسوا من ذوي القرابة، وفي كل خير، وذلك لأن العطاء في الأول صدقة وصلة رحم، فكان أفضل من مجرد الصدقة.

فلا ننس أرحامنا فهم أولى بتفريج الكروب وتنفيس الهموم، وذلك سبب للألفة وعنوان للمودة والتراحم.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر