الدنيا الكبيرة.. وبلادها الكثيرة

شيماء أحمد

أقيم أول كأس عالم لكرة القدم في الأوروغواي سنة 1930. وحينها سافرَت الدول الأوروبية المشارِكة إلى البلد المضيف بحراً، نظراً لحداثة عهد البشرية بالطائرات، ولعدم تمكنها آنذاك من عبور المحيط الأطلسي بصورة متواصلة وآمنة. ما يستوقفني في هذه المعلومة هو ردة فعل الأوروبيين عندما شاهدوا أميركا الجنوبية ربما لأول مرة على الإطلاق. فالسفر كان نادراً جداً، والقنوات الفضائية لم تكن موجودة، وإمكانية الجرائد في نقل الأخبار كانت محدودة للغاية. تُرى هل أدهشتهم الثقافة الجديدة؟ هل انبهروا عند مشاهدتهم رقصة «التانغو» للمرة الأولى؟ أم قارنوا الدولة معمارياً بدولهم التي ربما كانت أكثر تطوراً.

يترنم الكثيرون بروعة السفر، وحبهم الجم لهذه الهواية، بل إنني أعرف أشخاصاً عدة تقاعدوا مبكراً ليسافروا على مدار العام. في طفولتي، لم يحالفني الحظ بالسفر كثيراً، وفي الثمانينات والتسعينات، كانت العديد من الدول تفوقنا تطوراً. ولكم تمنيت أن أمسك بإحدى الطائرات التي تعبر باستمرار فوق بيتنا لتقلني إلى إيطاليا أو فرنسا، لأرى بعيني التطور المهيب الذي أسمع عنه، إلا أن السفر لم يكن شائعاً في تلك الحقبة. أما الآن وبعد أن سافرت إلى عدد لا بأس به من الدول، يؤسفني القول إن السفر مبالغ في تقديره. فالبنيان هو نفسه في جميع الدول، والمحال هي نفسها في جميع القارات، وشركات التوصيل ستجلب لك أي بضاعة إلى عتبة منزلك، والإنترنت قد نقل لك كل ما ستراه في وجهاتك. لا شيء يستدعي الذهول والانبهار، فضلاً عن أن بلداننا أصبحت الأجمل والأكثر تطوراً. لا أنكر أن السفر له فوائد، وأنا أول المقرّين بتأثيره الإيجابي في النفسية، إن لاءمت الرحلة أهدافنا الفردية. كل ما أقوله هو أنه هواية كانت ذات قيمة أكبر بكثير في وقت ما، و95% من سكان الكرة الأرضية لا يفوتهم الكثير بأن ظروفهم المادية لا تسمح لهم بالسفر، أو أنه لا يداعب أحلامهم.

قد تكون سياحة المغامرات وبالأخص «الهايكنغ» الإضافة الجديدة والجميلة لهذه الهواية التي فقدت بريقها، فهذه النوعية من الأسفار لم تكن متاحة سابقاً، وهناك دول تختلف عنا من حيث التضاريس والتكوين وقد تكون جديرة بالاهتمام. وفي النهاية، أجمل الأماكن لن تُسعدك مع رفقة لا تروق لك، وأجمل رفقة ستسعدك حتى لو كنت قابعاً في منزلك.

Shaima_AhmedK@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر