إعادة نظر
تختلف أهداف الإنسان باختلاف مراحل عمره، فالشاب العشريني المتحمس تتغير مسلماته إذا صار ثلاثينياً أنيقاً، وينضج فكره ويعتدل إذا بلغ الرشد وبلغ 40 سنة، لذلك يعيد أحدنا نظره في مسائل كثيرة تتكرر في حياته مرات ومرات.
ولا يدل التغيير المستمر على أنه كان مخطئاً في شبابه، بل بعض صنيعه في شبابه صحيح يتلاءم مع عنفوان الشباب، وقد يكون هو المطلوب حينها، وآراؤه في كبره تتوافق مع حكمة الكبار وثاقب فكرهم ودقيق نظرهم. فما كنا نراه أسود أو أبيض لا يحتمل نقاشاً صار رمادياً بعد ذلك، فإعادة النظر في الأمور تعيد الإنسان إلى المسار الصحيح، وتجنّبه الملامة والعتب.
وأسرد بعضاً من الممارسات التي نشهدها في واقع العمل الخيري، مما قد يحتاج إلى تأمل وإعادة نظر.
الأول: إسقاط الدَّين عن الميت أمر جميل محمود حتى لا يبقى المسكين معلقاً بدَينه، ولكن أليس أجمل منه أن تسقط دين إنسان حي صاحب أسرة عاجز عن سداد دينه، لينهض بواجباته تجاه أسرته، إذا كان بمقدورك إسقاط الدين، وعلمت أنه غير مماطل، بل عاجز عن رد الدين.
الثاني: تشترط بعض الجهات شرطاً لسداد الدين عن المدين، وهو أن يكون المدين حبيس الجدران الأربعة الضيقة ليستحق المعونة، ولعله من الأفضل أن يسدد دينه قبل أن يصل إلى هذه المرحلة العصيبة، فتغتمّ أمه وتحزن زوجته ويتشرّد عياله.
الثالث: بعض الجهات تشترط أن يكون الإيجار المستحق على الإنسان قد وصل إلى مرحلته النهائية وبلغ أروقة المحاكم وساحاتها، فلابد من توافر قضية تنفيذ وحكم صادر يؤول إلى حبس فردي أو إخلاء جماعي للسكن، لتقديم المساعدة إليه، ولعلنا لو أعدنا النظر فسبقنا المستأجر قبل أن يسبقنا إلى القضاء، فإن في ذلك تقليلاً للإجراءات، وحفظاً لأوقات الجميع.
هذه بعض الأمثلة، لكن أختم بما يجدر بنا كلنا أن نعيد النظر فيه، وهو التسويف في فعل الخير وترك الإنفاق في أوقات الشباب، فلا أحد منا يعلم مدة بقائه في هذه الحياة، والنبي صلى الله عليه وسلم أوضح فضل الإنفاق في فترة الشباب والقوة، فوصف أفضل الصدقة بقوله: «أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى»، فحتى التبرعات لها أوقات يعظم فيها أجرها، فمن يُخرج صدقته بنفسه مختاراً، خير ممن يُخرجها عنه غيره.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه