استزراع اللحوم في نظر الفقهاء

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لم يعُد تطور الصناعة قاصراً على الآلات الميكانيكية والفضائية ونحوها، بل وصل إلى حد استزراع اللحوم، كفرع من فروع الاستنساخ البشري الذي أحدث ضجةً عالميةً قبل أكثر من عقدين. وحديثُ العالم اليوم عن أزمة الغذاء التي تحاول التقنية الصناعية أن توجد لها حلاً بهذا الابتكار. وقد بدأت تطوراته تتجدد في الدول المتقدمة والنامية، والمسلمون جزءٌ من العالم فسيشاركون في خيره وشره، فكان لزاماً على فقهاء الشريعة أن ينظروا إلى هذه الصناعة من حيث الحِل والحُرمة، والمنفعة والمضرة، فعقد مجمع الفقه الإسلامي ندوةً متخصصة لهذا الاستزراع، برعاية الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية، وشارك فيها عددٌ كبير من أعضاء المجمع وخبرائه، وكتبوا فيه 16 بحثاً، ونال حظاً من النقاش النافع، عن مدى الحاجة لهذه الصناعة، فمن قائل: إن العالَم يتكاثر، وسيقلُّ الغذاء عن العالم، فكان البحث عن البدائل أمراً مطلوباً، بالإضافة إلى مبررات أخرى تتعلق بالبيئة التي يقال: إنها تتأثر بالتكاثر الحيواني، والصحة التي ستكون أحسن حالاً مع هذه الأغذية. ومن قائل: إن الحاجة لهذه الصناعة متوهَّمة، وإنما هي من النَّهَم التجاري الربحي، بينما الحقيقة أن الأرض تموج بخيراتها، فقد قدَّر الله تعالى فيها أقوات عباده كما قال سبحانه: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} كما تكفل الله تعالى برزق خليقته وأمرهم بالسعي للكسب الذي يضمن لهم العيش الرغيد، فإن لم يفعلوا فهو قصورٌ منهم، لا يلومون إلا أنفسهم، مع أن هذه الصناعة البشرية مع تكاليفها الباهظة ليست سليمةً من الأضرار المتوقعة كما تشير إليها بعض التقارير، فالمخاطرة فيها بالبشر يجب ألّا يكون، ناهيك عن المحاذير الشرعية من حيث استخراج الخلية التي تستزرع وتتكاثر، هل هي من حيوان مباح اللحم أو غير مباح؟ وهل هي من حيوان ميت، أو من مذكَّى أو من حي؟ فتكون في مورد النهي عن «ما قُطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة». وكل هذا النقاش يحتاج تمحيصاً فقهياً دقيقاً، يتوقف عليه الحكم الشرعي الذي يبحث عنه المسلم. ونظراً لأن هذه المسألة من النوازل المستجدة التي تحتاج تأصيلاً فقهياً من فقهاء العصر؛ فإن بيان حكمها يحتاج مواصلة بحثٍ، ووضع ضوابط تمنع الوقوع في المحظور، وتجعل القول بالمنع أو الجواز مبنياً على رأي اجتهادي جماعي تطمئن إليه النفوس ويمنع الاضطراب، وهو ما سيصدر عن مجمع الفقه في دورته القادمة إن شاء الله تعالى.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر