خَبروا لبنان
لا أدري كم مضى من العمر وأنا أراك بعيون الحب الذي لا مصالح فيه ولا حدود ولا حسابات، أحبك منذ كنت صبية، أستمع إلى قيثارتك وهي تغني بذاك الشموخ والكبرياء «بحبك يا لبنان»، و«زهرة المدائن»، و«أنا وشادي»، وأبتسم كلما تذكرت كيف كان الاحتفاء بك كلما قبلت الغناء عند سفح الأهرامات، وكيف كانت الشوارع والبيوت في مصر كأنها يوم عيد.
أحبك قدر ما أحببت أوقاتي الجميلة، وأنا أشاهدك في الأفلام تغرس في عقلي الصغير حب الجمال والامتنان للحياة ولشعاع النور الذي يبدد ظلام النفوس.
تعلمت كيف تنبض الكلمات، وترسم عوالم أخرى في كتابات أدبائك: جبران ومعلوف والريحاني وغيرهم، ومازلت أذكر صوت معلمة اللغة العربية وهي تقرأ النصوص الأدبية وتشرح المعاني وتعزف على أوتار قلوبنا البريئة، وترسم مع كل سطر حلماً لا يعرف مستحيلاً، وخيالاً لا يأبه لبؤس النهايات.
وكم أحسست وجع الفراق والبعد عنك في قصائد إيليا أبوماضي التي تنبض بالأمل رغم الأحزان! وكم دمعت عيناي مع دموع أبنائك في المهجر وهم يرددون مع فيروز: «فزعانة يا قلبي، أكبر بهالغربة»!
وعلى مدار 20 عاماً هنا في الإمارات كنت أراك في وجوه اللبنانيين التي تحمل عناوين بيوتك الدافئة وشوارعك العتيقة وهواءك العليل، وأُراكم خبراتي بك بما اختبرته فيهم من طيب العشرة وحلاوة اللسان، والسؤال عن الأحوال بلا مناسبة، وأشاهدك في حكاياتهم عن الصيف بعد عودتهم كل عام وأقرأ أخبار جنوبك الذي لا يهدأ منذ عقود.
خبروا لبنان أنه غالٍ على كل عربي، وله في القلب مكانة ومكان، وأنه وطن فوق المحن، وأرض سلام وخير وبناء مهما اشتد الظلام.
خبروا لبنان أننا هنا في الإمارات من كل الجنسيات معه وفي صفه، اعتدنا مذاق طعامه وأغنياته، ونعتز بصداقات أبنائه وجيرتهم وعشرتهم الطيبة، ونعلم جميعاً أن الفجر قريب.
خبروا لبنان في بيروت وبعلبك وصيدا وطرابلس، خبروا جبال الأرز وأشجار الكرم والزيتون أن مواسم الأمطار قادرة على تطهير الأرض من كل دنس لتزهر من جديد.
«الإمارات معك يا لبنان» حملة إغاثة عاجلة على المستوى الرسمي والشعبي، بدأت ومستمرة للأيام القادمة، تستحق منا جميعاً كل الدعم والوقوف خلف بلد غالٍ على الجميع.. علمنا حب الحياة.. وكلنا كلنا «نحبك يا لبنان».
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه