التَّغَذِّي بالحشرات في نظر الفقهاء
قد يكون هذا العنوان مزعجاً في أول وهلة لغير المطلعين، أما طالب العلم فيراه عنواناً مؤصلاً في كتب الفقه، وليس من مستجدات المسائل، غير أن طرحه اليوم يختلف عمَّا كان مطروحاً في تراثنا الفقهي بمختلف مذاهبه، فإن بحثه عند الأقدمين كان يدور في حكم أكله، فمن قائلٍ بالمنع مطلقاً إلا ما استثنى الشارع حِلّه كالجراد، ومن قائل بالإباحة مطلقاً إلا ما استثنى الشارع حرمته لمضرته إن وجدت، ومن قائل بالتفصيل، فبالجواز تارة وبالمنع أخرى، وكانت المسألة مقررة في كتب الفقه، وتدرس من غير إشكال.
أما اليوم فإن بحثها المستجد هو في استزراعها والاتجار فيها كعنصر غذائي يُغني عن لحم الحيوان، وهنا يكمن البحث الفقهي في مدى جعل هذه الحشرات عنصراً غذائياً وتجارياً، كما هو قائم لدى بعض بني البشر في بعض الدول.
والواقعُ أن الفقه المعاصر سينظر إلى ذلكم التأصيل القديم الذي هو محل خلاف، وسيبني عليه الحكم الفقهي الذي يراه، وسيختلف الناس بناءً على المرئيات الفقهية المشار إليها، فكان بحثها بحثاً مجمعياً مهماً حتى يكون الحكم محل قبول عند الجميع، وذلك الذي سعى إليه مجمع الفقه الإسلامي في ندوته الأخيرة مع هيئة الغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية، وقد قُدِّم لهذه الندوة 16 بحثاً فقهياً من أعضاء المجمع وخبرائه، ونالت هذه الأبحاث نقاشاً مستفيضاً بين الحاضرين، دار بين الإباحة المطلقة، بناءً على القول بجواز أكل الحشرات، لأن هذه الصناعة فرع عن ذلك، وبين التحفظ الشديد، بناءً على القول بالمنع والأضرار المتوقعة من أكلها، ولما يحدث عن ذلك من خلل في التوازن البيئي الذي خلقه الله تعالى متوازناً، فلم يخلق شيئاً فيه عبثاً أو باطلاً، ولأن القول بالجواز ليس من صالح البلاد الإسلامية، بل هو لصالح الشركات المصنعة والدول التي هي قائمة على ذلك، فستجد من القول بالجواز فتحاً مبيناً لتصدير صناعة الحشرات إلى المسلمين الذين يرى أكثرهم أنها من الخبائث، المحرمة بنص الكتاب، وليست من الطيبات التي أحلها الله تعالى لهم.
وبناءً على ذلك كله، فإن القول الفصل فيه سيكون في قرار مجمع الفقه القادم الذي سيتبنى التوصيات التي تصدر عن هذه الندوة، وبناءً عليه سيكون لكل مسلم نور يستضيء به بشأن هذا الموضوع، فإما أن يحجم بقناعة، أو يقدم بقناعة أو بارتياب، فإن ارتاب فليدع ما فيه ريبة، فذلك أسلم لدينه وصحته. والله ولي التوفيق.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه