النقد الاجتماعي بين الجاحظ وتشوسر

د. كمال عبدالملك

أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ، الكاتب العربي الشهير، وجيفري تشوسر، كاتب إنجلترا العظيم، هما اثنان من أعلام الأدب. رغم الفارق الجغرافي، والزمني أيضاً، حيث عاش الجاحظ في القرن التاسع الميلادي وتشوسر في القرن الـ14، فإنهما تشاركا في استخدام الفكاهة والسخرية كأداة للكشف عن عيوب البشر ومشكلات المجتمع.

في أعمال الجاحظ، خصوصاً في كتابه «البخلاء»، نجد أن الفكاهة ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة للكشف عن تصرفات البخلاء الذين يظهرون أبعد ما يكون عن السخاء والكرم. يغوص الجاحظ في تفاصيل شخصياتهم ليوضح بشكل ساخر حبهم الشديد للمال، وخوفهم من فقدانه. هذا النقد الاجتماعي الحاد يبرز من خلال مواقف طريفة، حيث يعكس «البخلاء» مشكلة اجتماعية أكبر في المجتمع العباسي.

على الجانب الآخر، قدّم تشوسر في «حكايات كانتربري»، صورة أكثر شمولية عن المجتمع الإنجليزي في عصره. حكاياته تمثل شخصيات من مختلف الطبقات الاجتماعية، من التاجر إلى الكاهن، وكل واحدة من هذه الشخصيات تروي حكاية تعكس تناقضاتها الشخصية وعيوبها. عبر هذا التنوع، يكشف تشوسر فساد القيم الدينية والاجتماعية في المجتمع الإنجليزي.

وبينما ينتقد الجاحظ تصرفات الأفراد البخلاء بشكل مباشر في مجتمع يلتزم بفضيلة الكرم، يوجّه تشوسر نقده إلى المؤسسات الدينية والاجتماعية التي يراها تنحرف عن السلوك القيمي في المجتمع المسيحي في أوروبا خلال القرن الـ14.

يقول جيفري تشوسر: «ما مدى قوة الخيال! الناس قابلون للتأثر إلى الحد الذي قد يجعلهم يموتون تحت تأثير خيالاتهم»، و«الزمن وكذا المد والجزر لا ينتظران أحداً»، و«إذا صدئ الذهب، فماذا يفعل الحديد إذن؟ لأنه إذا كان الكاهن الذي نثق به فاسداً، فلا عجب أن يصدأ الرجل العادي».

ويلاحظ الجاحظ أن ديكة مرو تنهب الحبة من منقار الدجاجة، فيقول: «فعلمت أن بخلهم شيء في طبع البلاد وفي جواهر الماء، فمن ثم عم جميع حيواناتهم». ويقول: «يقول المروزي للزائر إذا أتاه وللجليس إذا طال جلوسه: تغديت اليوم؟ فإن قال نعم، قال: لولا أنك تغديت لغديتك بغداء طيب، وإن قال لا، قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح».

وختاماً نرى أنه على الرغم من اختلاف الأسلوبين، تظل أعمال الجاحظ وتشوسر شاهدة على قدرتهما على استخدام السخرية للكشف عن ضعف البشر وعيوب المجتمعين اللذين عاشا فيهما، مقدّمين رؤية نقدية عابرة لتخوم المكان وعصور الزمان.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر