المعلّم.. وفّه التبجيلا

الدكتور مراد الرجب*

أطلّت علينا منذ أيام مناسبة عطرة تحمل في طياتها شذى يفوح من عبيره أسمى وأنبل معاني العلم والمعرفة. إنه يوم المعلم الذي قال فيه أمير الشعراء أحمد شوقي بيتاً من الشعر يردده فم الزمن: «قُم للمعلّم وفّه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولاً».

المعلم، أيها الناس، ليس مجرد ناقل للمعرفة أو للمعلومات، بل هو من يحمل رسالة سامية تعانق القلوب، وتلامس الأرواح، وتنير الدروب، وتغرس الأمل، وتصنع الأجيال، وتقود المعرفة. إنه الشخص الذي ينير كالشمعة ليصنع من الطالب إنساناً أفضل. إن المعلم هو الجسر الذي يعبر به الطالب في رحلة الحياة من الظلام إلى النور، وهو شعاع النور، وفن يسبر أغوار القلوب، ويلامس بنات العقول. المعلم هو الشمعة التي تحترق لتنير للآخرين دروب الحياة.

المعلم، أيها الناس، لا يحمل المعرفة والعلم فحسب، بل يحمل قلوب وعقول أبنائكم بين يديه، لا يعلمهم ما يقرأون فحسب، بل يبسط يديه ليعلمهم الحب والإيمان الصادق، وصنائع المعروف، والقيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة التي ستنير لهم دروب معترك حياتهم. إن رسالة المعلم ليست مجرد مهنة، بل هي رسالة سامية تصقل الأرواح وتفتح الآفاق. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الناس أنفعهم للناس»، ولا توجد مهنة أنبل من تلك التي تهدف إلى نفع الآخرين وتعليمهم الخير. وكما تقول الحكمة الصينية: «أن تكون معلماً ليوم واحد، هو أن تكون أباً لي مدى الحياة».

نعم، إن مهنة التعليم شاقة ومرهقة، لأن المعلم يسعى إلى مخاطبة العقول وملامسة الروح، ويفني فيها جهده، لكنها بالمقابل تستحق كل ذلك التعب والعناء عندما يحين وقت الحصاد.

المعلم كشجرة مثمرة، إذا احتضنت ثمارها بين أغصانها، أنتجت طلاباً متسلحين بأفضل سلاح، وأقوى عتاد، وأجمل قناديل الحياة. بل شجرة المعلم ستنتج صانعي أوطان يزيدونها عزاً ورفعة وشموخاً.

إن فضل المعلم لا يُحصى، وإن تأثيره يتجاوز جدران الفصول الدراسية ليصل إلى أعماق الحياة. المعلم هو الشخص الذي يعيش في قلوب طلابه حتى بعد أن تغيب شمس الأيام. فكم منا لايزال يذكر ذلك المعلم الذي ترك في حياته بصمة، وأسدى له نصيحة، وأثر في قلبه، وغرس فيه علماً، وأنار له درباً، وفجّر فيه موهبة، وفتح له باباً.

لنقف بإجلال وتقدير لتلك القلوب النقية التي تعطي بلا مقابل، ونوفها التبجيلا.

أستاذ مساعد، قسم علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، كلية الهندسة، جامعة أبوظبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر