هل بدأت نهاية التعليم الحضوري؟

محمد سالم آل علي

من المؤكد أن هذا السؤال طرق أذهان الكثيرين، ولعله أفسح المجال أمام مخاوف وأسئلة أكثر تعقيداً ترتبط بالغزو الإلكتروني الذي اجتاح سائر الساحات، فمن برامج الاتصال والتواصل الاجتماعي إلى المكتبات الإلكترونية والمرئية وغيرها الكثير، حتى انتهى بنا الحال بـ«تعليب» البشر على هيئة ملفات شخصية في تلك البرمجيات. وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل إنه تعداه ليطال الصحة والتجارة والخدمات المالية، انتهاء بما سأتحدث عنه اليوم وهو التعليم بمخرجاته، كالتعليم عن بُعد، والجامعات الافتراضية التي أطّرت ماهية التحول الرقمي واتجاهاته في هذا القطاع الحيوي.

وإذا ما أردت المقارنة بين الماضي والحاضر فإنني أقول إن لكلا النمطين حسناته ومساوئه، فالتعليم الحضوري، وإن عابته قلة المرونة وارتفاع التكاليف، يوفر وسائل تعليمية محسوسة وبيئة شديدة التركيز، إضافة إلى عنصره الأهم وهو التفاعل المباشر مع المعلم، جنباً إلى جنب مع الأقران أو الزملاء. أما التعليم عن بُعد فهو بلاشك يَعِد بكثير من المرونة وتوفير الوقت والجهد، إضافة إلى انخفاض تكاليفه إلى حد كبير، إلا أنه لا يخلو من العيوب، كفقدان العامل الإنساني وآليات الحوار والنقاش الفعال، والمشكلات الفنية، لأنه يتطلب اتصالاً مستقراً بالإنترنت، ولا ننسى المخاطر الصحية كالخمول والسمنة ومشكلات العين، والمشكلات الاجتماعية أيضاً كالانصراف عن الأسرة والواجبات، نتيجة الجلوس لساعات طويلة دون أي نشاط أو إحساس بالوقت، تضاف إليها المخاطر النفسية كانتشار حالات توحد الأطفال، نتيجة الاستخدام المفرط للإنترنت.

ولاشك في أن جائحة «كوفيد-19» كانت نقطة تحول في منظومة التعليم في مختلف دول العالم. وكما يعلم الجميع كانت دولة الإمارات سبّاقة إلى الاستجابة لتلك التحديات عبر تطبيق أنظمة التعليم عن بُعد كإجراء احترازي، لحماية الطلبة في كل مؤسسات التعليم، إلا أن الكثيرين اليوم مايزالون يفضلون البيئة الافتراضية رغم انتهاء الجوائح والأزمات، غير مدركين تداعيات تلك الوسيلة وتبعاتها على المدى البعيد. صحيح أن التعليم الافتراضي وسيلة مرنة وسهلة الوصول، لكن آثاره السلبية تهدد الفرد والأسرة والمجتمع، ويجب أن يقتصر على ما تقتضيه الضرورات، أما التعليم الحضوري فهو الأصل والأساس، ولابد من تفعيله والتشجيع عليه كوسيلة آمنة لا تؤدي بالطالب إلى مسالك الاكتئاب والتوحد وأمراض العصر.

*مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر