الصراط المستقيم
الثبات على الصراط المستقيم هو غاية ما نتمناه من ربنا سبحانه وتعالى، فلا نبرح من سؤال الله تعالى الهداية إليه، قائلين في كل ركعات صلاتنا: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾، فلماذا هذا الإلحاح على طلب الهداية له؟!
إن أدنى تأملٍ في ذلك يوحي بأن الهداية لهذا الصراط المستقيم، أي الذي لا عوج له، يعني الثبات على هذا الدين الذي شرَّفنا الله تعالى به، وفضَّلنا به على غيرنا من عباده الذين وقف الشيطان في طريقهم ليحرفهم عنه، تنفيذاً لما أخذه على نفسه من غوايتهم عنه، حينما جاهر ربه بقوله: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾، أي يحرفهم عن الثبات على الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها من الإيمان به وطاعته، ليكونوا من حزبه حتى لا يكون خاسراً وحده؛ لأنه ما خسر ذلكم الخسران المبين إلا بسبب الإنسان، فقد امتُحن بسببه بالسجود لأبي الإنسانية آدم عليه السلام ففشل في الامتحان؛ بسبب حسده وكبريائه، فعزم أن يهلك ذرِّيّته بهذا الإغواء، فالمعركة بين الإنسان والشيطان هي معركة مصيريَّة، ومعركة عداوة أبديَّة، وله أسلحة فتَّاكةٌ يقدر أن ينتصر بها على الإنسان الذي حُببت إليه الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة.. فيأتيه من خلال هذه الشهوات فيجذبه إلى صفِّه لينحرف عن الصراط المستقيم الذي أمره الله تعالى بالثبات عليه، ووعده بأن يثبِّته عليه إن هو سأله إيَّاه صادقاً عازماً على الثبات، كما ورد في الحديث أن العبد إذا قال ذلك في صلاته، قال الرب سبحانه: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
إن الثبات على الصراط المستقيم هو أهم مُبتغياتِ المسلم؛ لأن الثبات عليه يعني التَّحقق بمبدأ العبودية، ونيلَ رضوان الله تعالى، ويعني الاهتداء بمن شهد الله تعالى له بأنه على صراط مستقيم، وهو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وذلك موجب لمحبة الله تعالى للعبد، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، ويعني حسن الخاتمة التي هي الشهادة له بأنه من عباد الله تعالى المؤمنين.
فعلى المسلم أن لا يفتر من سؤال الله تعالى الثبات على الصراط المستقيم لينتصر على عدوه، ويكون من عباد الله المخلصين الذين تكفل الله تعالى بعدم إغوائهم من هذا العدو المبين، بقوله سبحانه: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه