قطيعة مع التراث.. هل أدونيس مُحِقٌّ؟

د. كمال عبدالملك

في عالمنا العربي، يحتدم الجدل حول قضية التراث، بين دعاة الحفاظ عليه ومن ينادون بقطيعة كاملة معه. في قلب هذا الجدل يقف الشاعر والمفكر العربي أدونيس، الذي اشتهر بآرائه الداعية إلى التخلي عن التراث العربي التقليدي، وتبني الفكر العقلاني الغربي كنموذج للنهوض والتقدم. بالنسبة لأدونيس، يشكل التراث عبئاً كبيراً، عرقل الفكر العربي، ووقف حاجزاً أمام الإبداع والتحرر.

يرى أدونيس أن الجمود الذي تعانيه الثقافة العربية ناتج عن تمسك أعمى بتفسيرات قديمة للدين والفلسفة والتاريخ، ويمنع المجتمعات العربية من اللحاق بركب الحداثة. ويعتبر أن الحل يكمن في إحداث ثورة فكرية، تقوم على الأسس العقلانية التي قامت عليها نهضة الغرب، بعيداً عن القيود التراثية التي تحدّ من الابتكار والإبداع.

في هذا السياق، يدعو أدونيس أيضاً إلى تحرير الفنون والأدب من القوالب القديمة التي، في رأيه، لم تعد تعبّر عن تعقيدات الحياة الحديثة. فهو يرى أن الشعر والفن يجب أن يتحررا من عبء الماضي لكي يستعيدا دورهما في إحياء وتحديث الثقافة العربية.

وأدونيس حرّ فيما يطرح من آراء في التراث، ولكني أرى أن التراث ليس في مجموعه بالضرورة عائقاً أمام التقدم، بل يمكن أن يمثّل مصدر قوة وإلهام. ألم تستلهمْ - ولا نقول ألم تنقل - التجربة الأوروبية التراث الكلاسيكي اليوناني والروماني؟ ألم يكن هذا التراث قاعدة لبناء فكر أوروبي جديد؟ ألم يشكل هذا التراث منصة النهضة الأوروبية التي انطلقت منها منظومات التقدم وقبول التغيير والعلم التجريبي وروح الاستكشاف؟

الانتقاء والتمحيص والغربلة النقدية المستدامة للتراث العربي واجبة. فليس كل ما هو موروث - وإن كان صحيحاً لا عيب فيه - مناسباً لعصرنا. إنّ تراثنا يحوي قِيَماً عقلانية وفكرية وإبداعات، مثل حكايات ألف ليلة وليلة التي أصبحت من روائع الأدب العالمي، ومفكرين مثل ابن سينا وابن رشد، الذين قدموا إسهامات شكلت تاريخ الفلسفة الغربية.

تظل دعوة أدونيس إلى القطيعة مع التراث مثيرة للتفكير والنقاش، فهي تطرح تساؤلات حول كيفية مواجهة تحديات العصر والتطور الفكري في ظل الانتماء لتاريخ عريق. ومع ذلك، يبدو أن الرفض التام للتراث قد لا يكون الحل المثالي.

ما نحتاجه هو إعادة قراءة التراث بعين ناقدة وإبداعية، يمكن أن تؤدي إلى نهضة فكرية ثقافية تتماشى مع التحديات الحالية، دون الحاجة إلى قطيعة جذرية.

باحث زائر في جامعة هارفارد

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر