إثراء بِشَرَك عاطفي
قضية جديرة بالتأمل، أحد طرفيها رجل أغدق مالاً وفيراً على امرأة ارتبط بها عاطفياً على وعد منها بالزواج، واشترى شقة وسجلها باسمها، بناء على تأكيدها أنها ستكون عش الزوجية.
مثل حالات عدة، أدرك لاحقاً أنه تعرّض لنوع من الاستغلال، إذ صدمته برغبتها في الانفصال، بل ارتبطت بآخر، فحرّك دعوى قضائية مدنية ضدها مستنداً إلى قاعدة قانونية مهمة، محل نقاشنا في هذا المقال، وهي «الإثراء بلا سبب على حساب الغير».
ربما يعتقد كثيرون أن الوقوع في هذا الشّرَك العاطفي مسؤولية الضحية، وأنه ليس طفلاً حتى يغرر أحد به أو يستدرجه إلى شراء شقة بقيمة 800 ألف درهم، مقابل وعود زائفة، تأثراً بقناعة خطأ وعبارة تتردد كثيراً في الدراما والسينما العربية، وهي أن «القانون لا يحمي المغفلين».
والحقيقة أن القانون يحمي الجميع سواء كانوا مغفلين أو غير ذلك، ويردع مثل هذا النوع من الاستغلال، لذا أعملت المحكمة قاعدة «الإثراء بلا سبب».
وفي حين قررت أنه لا يمكن نقل حيازة الشقة بحكم قضائي إلى صاحبنا، في ظل أنها مملوكة قانوناً للمدعى عليها، ولا يمكن تسجيلها باسم شخص آخر بطريق التسخير، لأن ذلك يتعارض مع مبدأ تأمين وتأكيد الملكية المسجلة، ويخل بمصداقية السجل العيني، فإنها طبقت القاعدة في ما يتعلق بالأموال التي دفعها ثمناً للشقة.
المادة 318 من قانون المعاملات المدنية، تنص على أنه «لا يسوغ لأحد أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي، فإن أخذه فعليه رده».
والمقصود بقاعدة الإثراء بلا سبب، التزام الشخص الذي أثرى بتعويض الدائن «صاحب الثروة الأصلي»، في حدود ما حصل عليه، وتطبق في حالات الالتزام غير التعاقدي.
والمقصود هنا أن العقود تكون ملزمة، لكن في هذه القضية لا يوجد عقد حتى يكون فيصلاً في النزاع بين طرفي الدعوى، ومن ثم لجأت المحكمة إلى مبدأ «الإثراء بلا سبب».
وما يلزم لتطبيق القاعدة في مثل هذه الدعاوى، هو قدرة المدعي على إثبات الدين. ولأن المرأة أقرت في الدعوى بأنه اشترى لها الشقة فعلاً، وتوجد رسائل متبادلة تعزز موقفه، قضت المحكمة لصالحه وألزمتها برد المبلغ. وهناك حالات أخرى لهذا النوع من الإثراء سنناقشها لاحقاً.
*محكم ومستشار قانوني
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه