من الوظيفة إلى الريادة

يقولون إن العمل الوظيفي هو ضمانة المستقبل، لأنه يوفر الاستقرار، ويكفل الأمان المالي؛ لكن لو أمعنا النظر قليلاً فسنجد أن الاعتماد على الدخل الوظيفي وحده، لاسيما في ظل التحولات الاقتصادية العالمية العاصفة التي نشهدها اليوم، يعد خطأ استراتيجياً يحد من النمو الشخصي ويضيّق الفرص والآفاق.

طبعاً لن أخوض هنا في القيود التقليدية التي يفرضها العمل الوظيفي، كساعات الدوام المحددة وأوقات الراحة والإجازات، ولن أدعو الجميع لترك وظائفهم بحثاً عن حرية أكثر، ومردود أكبر في عالم الاستثمار والأعمال، فهذا لا يصح حتى وإن بدا صواباً من الوهلة الأولى؛ فما كل الموظفين قادرون على أن يكونوا أصحاب شركات ومشاريع، ولا كل أصحاب المشاريع يقطفون سريعاً من ثمار المكاسب والأرباح، بل إن بعضهم يوظفون رؤوس أموال ضخمة قد لا تعود عليهم بالنفع لسنوات وسنوات، وربما قضوا ضعف وقت الموظف ماكثين مرابطين لمتابعة مصالحهم وأعمالهم؛ ناهيكم عن عنصر شديد الأهمية هنا، وهو أن شروط الوظيفة تختلف من بلد لآخر، ومن قطاع خاص إلى حكومي.

ولعل الحل المثالي لمواجهة هذه التحديات يتمثل في تطوير المهارات وتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وطبعاً تنويع الدخل عبر الجمع بين وظيفة منتظمة واستثمار جانبي أو مشروع، ما يعزز من الآفاق المهنية، ويزوّد الموظفين بمرونة مالية أقوى وأشد. وهذا بالتحديد ما تعكسه جهود دولة الإمارات لتشجيع مواطنيها على الجمع بين العمل التقليدي وريادة الأعمال، فمن خلال تنفيذ مبادرات مثل إجازة التفرغ الاستثنائية لعام واحد لموظفي الحكومة الاتحادية، تعمل الدولة على تمكين المواطنين العاملين في الجهات الحكومية من استكشاف وممارسة نشاطات الاستثمار، إضافة إلى تأسيس الأعمال والمشاريع، مع الحفاظ على أمنهم الوظيفي ودخولهم الشهرية.

لذا فليعذرني العقاد حين أقول إن العمل الوظيفي ليس بـ«رق القرن العشرين»، بل إن القيد الحقيقي ينشأ عندما يتكئ الناس على وظائفهم فحسب، دون استكشاف الفرص المتاحة أمامهم تجاه النمو والريادة؛ لأنهم حينها كمن يسير في درب آمن، لكن يضيق مع كل وطأة قدم، في حين تتوافر أمامهم إمكانات لا حدود لها للمضي في طريق سريع مفتوح باتجاه المستقبل؛ فالتحدي الأكبر ليس بالتشبث بالوظيفة، بل هو الفشل بالاستثمار في النفس والذات.

* مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة