بين أوديسيوس والأبطال المعاصرين

تأتي ملحمة هوميروس، «الأوديسة» مثالاً لرحلة أوديسيوس، البطل الكلاسيكي، الذي يقوم برحلة محفوفة بالمخاطر، للعودة إلى وطنه. بالمقابل، تقدم الروايات المعاصرة، في الأغلب، أبطالاً مضادين، شخصيات معقدة تتحدى صفات البطل التقليدية وأخلاقه. من خلال مقارنة أوديسيوس مع هؤلاء الأبطال المعاصرين، يمكننا استكشاف تطور مفاهيم البطولة، وحالة البشر في عالم اليوم.

يُحتفى بأوديسيوس، ملك إيثاكا الماكر، لشجاعته وذكائه وقدراته. رحلته إلى الوطن بعد حرب طروادة مملوءة بالعقبات والمخلوقات الأسطورية والآلهة المنتقمة والطرقات الخطرة. ما يميّز أوديسيوس كبطل هو ليس فقط قوته البدنية، بل قدرته على تجاوز التحديات بدهاء واستراتيجية. لقاؤه مع العملاق بوليفيموس، حيث يقدم نفسه بذكاء على أنه «لا أحد»، يبرز عبقريته ودهاءه.

ومع ذلك، لا يخلو أوديسيوس من العيوب. في الأغلب تقوده كبرياؤه إلى مآزق خطرة، ما يوضح أن أعظم الأبطال يحملون نقاط ضعف. رحلته الطويلة الشاقة إلى الوطن تتعلق بقدر كبير بالنمو الشخصي بقدر ما تتعلق بالعودة الجسدية، ما يسلّط الضوء على مواضيع الولاء والمثابرة وتعقيدات التجربة الإنسانية.

على النقيض، في الأغلب يتخطّى الأبطال المضادون المعاصرون حدود الصواب، ما يقدم استكشافاً أكثر تعقيداً للأخلاق. شخصيات، مثل: والتر وايت في المسلسل التلفزيوني «بريكنغ باد»، وتوني سوبرانو في مسلسل «ذا سوبرانوز»، ودون درابر في «ماد ِمن» تجسّد هذا التحول. في الأغلب تتسم هذه الشخصيات بصفات تقليدية مرتبطة بالأشرار والأنانية، والمناورة، والغموض الأخلاق، ومع ذلك فإنها تثير التعاطف.

على سبيل المثال، يبدأ والتر وايت كشخصية يمكن التعاطف معها، وهو معلم كيمياء في المدرسة الثانوية يتحول إلى صانع مادة مخدرة، مدفوعاً برغبته في توفير مكسب إضافي لحياة أكثر رفاهية لعائلته. ومع ذلك، مع تقدم السرد، يكشف انحداره إلى عالم الجريمة عن الجوانب المظلمة لشخصيته. على عكس أوديسيوس، الذي يسعى في نهاية المطاف إلى العودة إلى حبيبته بينولبي وعائلته، واستعادة حياته السابقة، تتحول رحلة والتر إلى الفوضى والجريمة، ما يثير تساؤلات حول الأخلاق وعواقب الاختيارات.

في عالم تتلاشى فيه الخطوط الفاصلة بين البطل والشرير، تقدم رحلات كل من أوديسيوس والأبطال المضادين تذكيراً قوياً بالطبيعة المتعددة الأوجه للإنسانية القابلة للفساد. سواء من خلال عدسة الشعر الملحمي الكلاسيكي أو التلفزيون الحديث، يظل استكشاف البطولة جزءاً حيوياً من السرد الثقافي لعالم اليوم، ما يشجعنا على التساؤل عمّا يعنيه حقاً أن نكون أبطالاً.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
 

الأكثر مشاركة