المدير الخفي
حدثتنا كتب الإدارة عن أنواع المديرين، وعن صولاتهم وجولاتهم في ميادين عدة، والأهم أنها تطرقت لأدوارهم المتعددة التي تتناسب مع حجم الأعمال والمؤسسات، لكنها للأسف غفلت عن دور خاص ومثير يلعبه العديد من الموهوبين، ألا وهو دور «المدير الخفي»، ذلك العبقري الذي يتقن فن الوجود في كل شيء تقريباً، ولو كان غائباً مستتراً وبعيداً عن الظهور.
وأقول عبقري، لأنه يترأس الاجتماعات وهو غير موجود، ويصدر التعليمات عبر التخاطر والإيحاء، فلا أبرع منه في إلقاء المسؤوليات، ولا أسرع منه في تلقي المدائح والإشادات، ومهاراته لا تقتصر يا سادة على فنون التخفي، بل تتعداها إلى توزيع الأدوار، فبينما يتولى بنفسه قطف الثمار عند النجاح، يترك لغيره مهمات الحصاد عند الإخفاق والفشل، وإذا قال قائل: أين ذاك الذي يقف وراء المنجزات؟ تراه ينسل من مخبئه كالبطل، معلناً قيادته للجهود والتزامه بسائر العهود، أما إذا عمّت الإخفاقات واشتدت الأزمات، فتراه ينسحب بخفة الفهد، تاركاً الجميع يتخبطون في تفسير توجيهاته المتشابكة التي تشبه الطلاسم والألغاز، وسيقتصر ظهوره الخجول حينئذ على العالم الافتراضي من رسائل وبريد إلكتروني، بل لعله سيرد بكلمات مبهمة تختبر قدرتك على قراءة الأفكار، مثل «تصرف» أو «تدبر أمرك»، دون أية حلول أو تعليمات، فإن فشلت وقع اللوم عليك، لأنك حينها عجزت عن فهم الرؤى واستخلاص العبر.
الغريب أن هذا «المدير الخفي» يتمتع بمهارات فائقة في إدارة السمعة وتلميع الأثر، فبينما هو غائر عميقاً بعيداً عن الأعين، يعكف على بناء صورته المتألقة كمدير ملهم يحمل سائر المفاتيح، فهو المنقذ الذي يتحدث عنه الموظفون، وهو «النول» الذي تنسج عليه قصص النجاح، إلا أن الواقع غير ذلك تماماً، فشباكه التي يغزلها تهدف فقط إلى إيقاع الموظفين في دوامة من الحيرة والارتباك، فتراهم مثقلين بالأعباء، يتساءلون «ماذا وكيف ولماذا؟»، بينما يراقبهم مسترخياً وكأنه في إجازة لا تنتهي على حساب الجميع.
والمحزن في كل ما ذكرت أعلاه، أن هذا النوع من المديرين يحمل معه سيرة ذاتية لا يُشق لها غبار، وتراه ينتقل من شركة إلى أخرى بحفل وداع وحفل استقبال، فمادام هناك سواتر من الموظفين في الصفوف الأمامية يتلقون اللوم والضربات، سيبقى صاحبنا «الخفي» ضاحكاً مبتسماً في عالم الأشباح والظلال.
مؤسس سهيل للحلول الذكية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه