الاستثمار في الإنسان
يسعى الناس أجمعون للاستثمارات المختلفة، فمنهم من يستثمر في التجارة، ومنهم من يستثمر في الزراعة، وفي أسواق المال.. وكل هذه الاستثمارات تحمل قدراً من المخاطرة، ولا غرابة، فإن المخاطرة عنصر أساسي في الاستثمار، وليس كما يُقال: «رأس المال جبان»، فإن من يره جباناً سيظل يراوح مكانه، وربما تأتي عوامل التعرية «التضخم» على ماله فيتلاشى أو يكاد.
وهناك استثمار حقيقي لا يتأثر بصروف الزمان، إنه الاستثمار في رأس المال البشري، فإن هذا الاستثمار يعني خلق مواهبَ معرفية تجعل الإنسان قادراً على الابتكار وصناعة المستقبل بيده.. تجعله فاعلاً في مجتمعه، يلبي حاجات نفسه ومجتمعه، ولعله يلبي حاجات الإنسان عموماً.. تجعله صانعاً ومخترعاً ومطوراً، فضلاً عن كونه مثقفاً ألقى عن عاتقه عباءة الأُمِّيَّة والجهالة، وفضلاً عن أن يتبوأ مكانة في مجتمعه، يرتقي بها ما لا يرتقي إلى مثلها ذوو الأموال الطائلة، فينال الحَظوَة في التقدم لكل مقام سنِيٍّ، وكما قالوا:
العِلمُ يُعلي بيوتاً لا أساس لها ** والجهلُ يهدم بيت العز والشرفِ
وهذا أمر ملموس لا يحتاج إلى كثرة الشواهد، ومع كونه كذلك، فإن الذين يسعون للاستثمار في هذا الإنسان هم نوادر الناس، الذين يرون المستقبل ببصيرتهم رأي العين، فيُعِدُّون له الاستثمار في التنمية البشرية بكل قوة وحسن تخطيط، من أولئك قيادتنا الرشيدة، ممثلة بصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فإن هذه القيادة بذلت في هذا الاستثمار ما لا يمكن وصفه، من توفير بيئة تعليمية راقية، مؤسسية ومنهجية، ومن استقطاب كفاءات ماهرة قادرة على العطاء بفهم وحكمة، فأثمر هذا الاستثمار ثماراً يانعة، فترى كوادر الوطن يبدعون في كل مجال، وأصبحوا قادة في الابتكار الفضائي، والتقني، والتكنولوجي، والطبي، وغير ذلك كثير، وقدموا للقيادة والشعب ما لا يمكن أن يقدمه من لم يُعْنَ بهذا الاستثمار ولا يهتم به، وبهذا أصبحت الدولة - بحمد الله وشكره - شامةً بين الدول، تضيء لها طريق التقدم والازدهار، بل أصبحت تدل الدول والشعوب على هذا الاستثمار بهذه المشاريع التثقيفية العربية، وبجوائز طائلة كجائزة تحدي القراءة العربي، وجائزة اللغة العربية، وجائزة المعرفة، وجائزة البحث العلمي.. وغيرها من الجوائز والمشاريع التي تستهدف الناشئة لتغرس في نفسها روح المنافسة والتقدم، ولعلها تصل إلى المراد، عملاً بالحكمة المأثورة: «من جدَّ وجدَ، ومن زرع حصد».
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه