حجزنا للعام القادم

أمل المنشاوي

كل من يعيش فيها يحبها، ويحب من يحبها، ودون السؤال عن الأسباب، على كثرتها، فهناك أشياء يحسها المرء ولا سبيل لشرحها، وهذا هو لسان حالها:

تقول: «تركت خلفي تاريخاً وذكريات وأسرة ممتدة، وآثرت القدوم إلى هنا، هي المرة الثانية بعد زيارة سياحية خاطفة لم تمتد أكثر من خمسة أيام، العام قبل الماضي، ومن يومها وأنا أخطط للاستقرار هنا». «زرت تقريباً معظم المدن العريقة حول العالم، وتجولت في شوارعها، والتقطت صوراً بين معالمها الشهيرة، لكنْ لمدينتكم سِحرٌ مختلف، وألفة تتركها في النفس لا أعرف سرها».

«قررنا أنا وزوجي نقل عملنا إلى هنا، وخلال ستة أشهر فقط استقرت أوضاعنا كثيراً، وكأنما منحتنا الحياة فرصة ذهبية كنا نبحث عنها منذ سنين».

تُسائلني في دهشة: «كل هذا الطيب في وجوه الناس، وهذا السلام الداخلي، فقط لأن أوضاعهم المادية مريحة أم أنها عاداتهم وطباعهم التي نشأوا عليها؟ أجبتها بسؤال عكسي: ألا يوجد من هم أكثر ثراء من سكان أبوظبي والإمارات ومع ذلك تشعرين معهم بالنفور وعدم الراحة في صحبتهم؟ قالت: بلى، قلت: إذاً الأمر ليس لثراء أهل البلد، ولا لحداثة مدنهم، إنما السر في إنسانيتهم ودماثة تعاملهم مع الجميع، ذاك هو الذي يمنحك الراحة والأمان والاطمئنان في العيش هنا».

حوار طويل ممتد جمعني بسيدة أعمال أوروبية، استقرت حديثاً في أبوظبي، وجاءت بحكم عملها لزيارة معرض أبوظبي الدولي للبترول (أديبك 2024) الذي اختتم فعالياته الخميس الماضي، وسط حضور استثنائي يعد الأكبر في تاريخ المعرض المفضّل لأهل هذه الصناعة ومختصيها حول العالم.

تقول ضاحكة: تدرين أن كل من قابلته من الشركات الأوروبية وسألته، قال: «لقد حجزنا للعام القادم»، قلت: ومن قبل أن يبدأ المعرض دورته الحالية كثيرون أكدوا حجزهم للدورة المقبلة. نعم، توليفة النجاح في أبوظبي، والإمارات عموماً، ليست فقط في إمكاناتها المادية، ولا تخطيط الخطوات قبل البدء فيها بوقت كافٍ، على أهمية كل ذلك، فالنجاح في التفاصيل التي تلمس القلوب، وتراعي احتياجات الإنسان، وتُسخّر كل السبل لراحته.

كل من يعيش هنا في أبوظبي يعرف أنها مدينة دافئة، وبيت كبير آمن للجميع، تستقبل زائريها بترحاب عربي كريم، وتودّعهم بعبارة «ننتظر عودتكم قريباً».

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر