«الماركات» بذخ وتقليد

د. يوسف الشريف

في مشهد مثير للدهشة، وقفت فتاة أمام متجر فاخر تبكي وتترجى أحد البائعين للحصول على حقيبة يتجاوز سعرها 6000 يورو، هذه القصة ليست استثنائية، بل أصبحت مشاهد الانتظار الطويل أمام محال «الماركات» العالمية أمراً مألوفاً، الغريب أن هؤلاء الأشخاص يقفون لساعات وكأنهم في طابور للحصول على إعانة اجتماعية أو غذاء من صندوق المساعدات الإنسانية، مع أن الفارق هنا هو أنهم يدفعون مبالغ طائلة للحصول على منتجات لا تعدو كونها رمزية.

ما يثير التساؤل هو كيف أن هذه «الماركات» التي من المفترض أن تكون متاحة لمن يقدّرون الجودة والتميز، قد تحولت إلى رمز للتباهي والمظاهر السطحية. وعلى الرغم من شهرتها وأرباحها الهائلة، فإن هذه «الماركات» تتعمد عدم توظيف عدد كافٍ من الموظفين لخدمة عملائها، ما يؤدي إلى مشاهد الانتظار والتكدس، هذه الاستراتيجية تعكس تجاهلاً لمعايير خدمة العملاء الأساسية، حيث تعتمد على خلق الندرة والإثارة لجذب المشترين بدلاً من تقديم خدمة مميزة.

المفارقة هنا تكمن في أن المحال الرياضية المشهورة التي تُقدّر قيمة عملائها، وتسعى إلى توظيف عدد كافٍ من الموظفين لتلبية احتياجاتهم، تقدّم خدمة أفضل بكثير، مقارنة ببعض «الماركات» الفاخرة التي تركز على إثارة شعور المشتري بالحاجة إلى المنتج، وهذا النوع من التسويق يستند إلى الاستفزاز العاطفي والنفسي، حيث يتم التعامل مع العملاء باستخفاف واستعلاء، لدفعهم للشراء بدافع التحدي أو إثبات الذات.

الأمر لا يتوقف عند سوء الخدمة، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو أعمق، نجد أن بعضهم يلجأون إلى اقتناء هذه المنتجات الفاخرة ليس بدافع الحاجة الفعلية أو الجودة، بل لإثبات مكانتهم الاجتماعية أمام الآخرين، هذه الظاهرة التي يمكن وصفها بـ«التقليد الأعمى»، وتُظهر كيف أصبح الاستهلاك في بعض الأحيان مجرد وسيلة للتشبّه بالآخرين، أو لإظهار الثراء، حتى لو كان ذلك على حساب الاحتياجات الحقيقية أو القيم الفعلية.

هذه الممارسات السلبية التي تتبنّاها بعض «الماركات» الفاخرة تسهم في تدهور معايير خدمة العملاء، وتشوّه مفهوم الجودة والقيمة. علينا أن نتوقف عن الانسياق وراء هذه الظواهر السطحية، ونفكر بعمق في معنى الاستهلاك وأخلاقياته.. هل نسعى حقاً إلى امتلاك أشياء تعكس قيمتنا، أم إننا نغرق في مظاهر فارغة لا تضيف لحياتنا سوى مزيد من الضغط والفراغ؟

محامٍ وكاتب إعلامي

dryalsharif@

www.ysalc.ae

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر