يا أيها الإنسان إنك كادح

هل تدبّرنا مخاطبة الله تعالى لنا بقوله سبحانه: ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه﴾، هذا الخطاب الموجّه لجنس الإنسان، يخاطبه ربه بما يعرفه الإنسان من نفسه، لكنه قليلاً ما يسعى إلى تحقيق مراميه، إنه كدح الحياة التي هي منغّصة بمتاعبها وعنائها، فهو يكدح ليعيش، ويكدح ليرضي ربه إن كان مؤمناً به، ويكدح ليحقق رغباته وشهواته، وهو مع ذلك يرى هذا الكدح متعةً له، وإن لم يكدح يرى نفسه ضائعة تائهة، وينسى المآل الذي تضمّنه هذا الخطاب الرباني (فملاقيه) أين اللقاء؟ إنه لقاء الرب سبحانه وتعالى، إنه يعني المساءلة عن هذا الكدح، هل كان في ضوء شرع الله، فيكون كدحاً محموداً ومثاباً عليه، أم هو بدافع الأهواء والشهوات من غير مراعاة لمن إليه المنتهى سبحانه، إنه لقاء حساب ومساءلة، كما ورد في الحديث: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه».

أسئلة واقعية تقتضيها الربوبية على العبودية التي استُخلفت لأداء مهمة الاستخلاف من معرفة الله تعالى بالإيمان، وعبادته تعالى كما شرع، فأين أنت أيها الإنسان من هذا الكدح الذي يحقق لك الإجابة السليمة المترتب عليها الفوز في دار القرار، ففيمَ أفنيت عمرك؟ في لهو وبطالة وغفلة عن الله تعالى أم فيمَ خلقت من أجله؟ هذا العمر الذي هو منحة إلهية، ولعله قد طال معك، وأنت تراه يتقاصر مع غيرك، فهل اعتبرت بمن قصُر عمره وقدم على ربه من غير جواب نافع؟

وهذا الجسم الذي أنت عليه في أحسن تقويم، فيمَ أعملته؟ في طاعة وإنابة وعمل يُرضي الله تعالى، أم في المخالفات واتباع الشهوات؟ فهو ذاهب للبِلاء لا محالة، إما بمرض مقعِد، أو شيخوخة مفنِّدة.

وهذا المال الذي آتاك الله إياه هل عرفت حقوقه فأديتها؟ أم صرفته في ملذات وشهوات ومحرمات؟ فهو ذاهب عنك أو أنت ذاهب عنه لا محالة، فأولى بك أن تُعِدّ له جواباً مُنجياً وإلا كان وبالاً عليك.

وهذا العلم إن كان الله تعالى قد منحك منه نسبة، فإن عليك فيه واجباً، وهو العمل به وتعليمه من لا يعلمه، فهل عملت وعلَّمت؟ فإن لم تكن تعلم فهل سألت من يعلم حتى تؤدي ما عليك لربك ومجتمعك؟

فيا ليت هذا الإنسان يعلم أن كدحه يمكن أن يكون فلاحاً له، أو وبالاً عليه.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة