كيف نتعامل مع الأفكار المتناقضة؟
في عالمنا المعاصر، حيث تزداد الانقسامات والاستقطابات، يقدّم برنامج تدريبي في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، رؤية فريدة حول كيفية التعامل مع الأفكار المتناقضة. يهدف هذا البرنامج الذي أطلقته المحاضرة بيتسي ميلر، إلى تعليم الطلاب كيفية التنقل بين أضداد وقطبيات قد تبدو خيارات ثنائية، لكنها في الواقع تمثّل توازناً ديناميكياً بين القوى المتناقضة.
والاختلاف بين الأضداد والقطبيات يكمن في طبيعة العلاقة بين المفاهيم المتناقضة. الأضداد هي تباينات حصرية، حيث يستبعد كل طرف الآخر، مثل الحرارة مقابل البرودة، أو الضوء مقابل الظلام. في هذه الحالات، يُعتبر اتخاذ قرار واحد فقط هو الخيار الصحيح. أما القطبيات، فهي مفاهيم مترابطة تعتمد إحداها على الأخرى لتحقيق التوازن والنجاح، مثل الحرية مقابل المسؤولية، والاستقرار مقابل التغيير. في هذه الحالات، لا يُستبعد أي جانب، بل يلزم التوفيق بينهما لتحقيق أفضل النتائج (في لغتنا العربية قد تحمل المفردة الواحدة المعنى وضده في الوقت نفسه، ويبقى السياق هو الفيصل في تحديد المقصود، وهناك كثير من هذه المفردات: كلمة المولى تعني السيد والعبد، والصَريم تعني الليل والنهار، وفعل بانَ يعني ظَهَرَ وغابَ).
تسعى الدورة إلى تعليم المشاركين كيفية التفاوض بين هذه الأقطاب المتناقضة. فبدلاً من التفكير في الأمور كخيارات «إما/أو»، تشجع ميلر على التفكير في «أحد الأمرين/وأيضاً الأمر الآخر»، ما يساعد على فهم ديناميكيات التوترات بين المفاهيم المتنافسة. على سبيل المثال، في الحياة المهنية أو الشخصية، قد يتعين على الأفراد الموازنة بين المصلحة الشخصية واحتياجات الآخرين، أو بين الاستقرار والتغيير.
وتؤكد ميلر في مقابلة مع مجلة «هارفارد غازيت»، أن القدرة على استخدام التوازن بين الأضداد مهارة مطلوبة في الشخصية القيادية والتفاوضية، وأن هذه الدورة تمنح الطلاب أدوات مهمة للتعامل مع القيم المتناقضة التي قد تعرقل التفاهم والحوار في المجتمع. وتقول ميلر: «إن الأضداد يمكن العثور عليها في القوانين، بدءاً من الأسئلة المتعلقة بأهداف وأساليب نظام العدالة الجنائية، وصولاً إلى المناقشات حول التوتر المحتمل بين المصالح الجماعية والحقوق الفردية». وتسأل: «هل يجب أن تعطي القوانين الأولوية للعدالة أم للرحمة؟»، وتجيب: «في كل من هذه الحالات، يمكننا - بل يجب علينا - أن نختار كلا الأمرين».
في هذا السياق، تقدّم الدورة فهماً جديداً يعزّز التعاطف، ويحافظ - في الوقت نفسه - على التفاضل والتكامل، وهو أمر بالغ الأهمية في عالمنا المعقّد والمتغير.
*باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه