الوهج

تحكي قصتها بعيون يملؤها بريق الفخر والانتصار، وتغلبها الدموع وسط الأوقات الحزينة في رحلتها التي شارفت على الأربعين.

تقول: «لا تندهشي من كل هذا البريق، فقد سبقته عتمة وسنوات باردة من الوحدة والألم والخذلان، جئت هنا وحيدة منكسرة شبه هاربة من الماضي أبحث عن مكان لا أعرف فيه أحداً ولا يعرفني فيه أحد».

«فسخت خطبتي بعد أربع سنوات من الحب والأحلام والصبر، قالها ببساطة (لنرحل في سلام ويكفي أن نبقى أصدقاء)، لم أنطق وقتها لأسبوع متواصل وكأن الحروف ضاعت وخانتني مثله الكلمات».

«كنت وقتها بعمر الخامسة والعشرين، لا أعمل وليس لدي طموح ولا أعرف أي الأشياء أجيد، مكتفية بإنهاء دراستي الجامعية كما كل بنات عائلتي».

«لم يكن ضياع الحب وتأسيس بيت موجعاً بقدر ما أوجعني الإحساس بفقدان الرغبة في كل شيء حتى البقاء على قيد الحياة».

«قدمتُ للإمارات لزيارة أخي وزوجته من باب التغيير بعد إلحاح من أمي دام عاماً كاملاً لأخرج من تجربتي القاسية وربما أجد ما يشغلني عن أحزاني».

«لأربع سنوات متتالية دفنت أحزاني في العمل الذي عرضته علي زوجة أخي في مشروعها الصغير، ثم جمعتني صدفة عظيمة بتوأم روحي وزوجي الحالي، تزوجته بعد أن تخطيت الثلاثين عاماً وبعد أن فقدت الأمل في الاستقرار وبناء بيت وبعد أن توقفت أمي عن الإلحاح عليّ بقبول راغبي الزواج في بلدي، لكنها أبداً لم تتوقف عن الدعاء لي».

«لدي ثلاثة أبناء ومشروع خاص واعد وبيت هادئ وكأن الحياة كانت تكافئني وتعيدني إليها من جديد بعد أن تأخر كل شيء لسنوات».

قلت لها: «لم يكن أبداً متأخراً، ولم يخطئ الباب والعنوان، ولم يتجاهل كمَّ الانتظار، ولا طول الصبر والألم، فلكل منا وهج خاص به، يعرف يقيناً متى يناسبنا القدوم».

يستمع جيداً لمن يتحدث عن فواته، وانتهاء وقته وانتفاء النصيب فيه، ويدين لأصحاب اللسان السليط والشماتة البغيضة بالقصاص والرد البليغ، ويتوعدهم بأن ما يتمنونه من شر لن يكون وما يرونه أذىً لن يدوم.

ينتظرنا في نهايات الطرق الشاقة وبعد التعب العظيم ويكافئنا قدر ما تحملنا من جهد وواصلنا السير رغم الوهن والملل والانكسار.

الوهج لحظة ربانية مكتوبة للجميع بعدل بالغ، وسواء أتى مبكراً أو تأخر، ينير دواخلنا وأيامنا بقدر ما نبذل من صبر وانضباط وسعي.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة