رمزية المفتاح
من حين لآخر، نجتمع مع الأصدقاء لمناقشة الكتب الأدبية والتواصل الاجتماعي، وفي كل مرة يصل أحد أصدقائنا متأخراً، وعذرُه في الغالب يكون ضياع مفاتيحه: مفتاح شقته، مفتاح سيارته، مفتاح البناية.. وتتنوع هذه المفاتيح ما بين مفاتيح معدنية وأخرى إلكترونية بلاستيكية، حتى أصبحنا نلقبه بـ«الرجل الذي فقد مفتاحه»، إحالة لعنوان رواية فتحي غانم، وهذا جعلني أفكر في المفاتيح، وأتعجب من وجودها الطاغي في حياتنا، ورمزيتها وتجسداتها في تاريخ العالم وثقافاته.
يُعد المفتاح واحداً من الرموز الثقافية العميقة في الأدب العالمي والعربي، حيث يتجاوز دوره التقليدي كأداة لفتح الأبواب، ليصبح رمزاً للقوة، والمعرفة، والسلطة.. في الأدب لا يقتصر المفتاح على كونه وسيلة للوصول، بل يرتبط بقوى خفية تُفتح عبره: أسرار قديمة، مصائر خفية، عوالم مجهولة.
في الأدب اليوناني الكلاسيكي، يُستخدم المفتاح كرمز للسيطرة على العالم المادي والفكري، في الأوديسة لهوميروس، يفتح أوديسيوس أبواب الأسرار المغلقة، ما يعكس سعيه للهيمنة على القوى المحيطة به، في الأدب الغربي يُعدّ المفتاح رمزاً للمعرفة الإلهية.
قد يكون المفتاح بمثابة «الشفرة» التي تفك أحجية معقدة، كما هي الحال في رواية «شفرة دافنشي» (2003) ذائعة الصيت للكاتب الأميركي الشهير، دان براون، أو روايته الأحدث «الرمز المفقود»، رواية ملغزة، تتخطى الإثارة التي توافرت في «شفرة دافنشي».
وفي «ألف ليلة وليلة»، تظهر مفاتيح غير تقليدية، مثل كلمة «افتح يا سمسم» في قصة «علي بابا والأربعين حرامي»، حيث تكون الكلمات هي المفتاح الذي يفتح أبواب المغارة المملوءة بالأحجار الثمينة، وفي قصة العروس التي اختطفها العفريت، يرمز المفتاح إلى قدرة المرأة على تجاوز التحديات وإنقاذ نفسها.
وفي العالم الإسلامي يكتسب المفتاح مكانة خاصة، فمفتاح الكعبة في مكة المكرمة يعهد به إلى عائلة آل الشيبي في السعودية، ويُعد رمزاً للسلطة الروحية والإدارية على البيت المقدس، في القدس تمتد رمزية المفتاح لتشمل مفاتيح كنيسة القيامة التي يحملها الفلسطينيون المسلمون كجزء من تاريخهم المشترك.
يظل المفتاح في الأدب العالمي والعربي رمزاً مفتوحاً على عوالم متعددة، يتداخل فيها الطموح البشري مع قوى تتجاوز الفهم المادي، ليظل معبراً عن قدرة الإنسان على فك المغاليق والوصول إلى أسرار الكون.
* باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه