الاتحاد المبارك

إعلان اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الثاني من ديسمبر عام 1971 كان إعلاناً لتوطيد لُحمة الإمارات المتصالحة، المترابطة أُسرياً وثقافياً، فلم يبقَ إلا أن يُترجم بإعلانٍ سياسي، يشير إلى اجتماع أهل الإمارات تحت قيادةٍ واحدة، وراية واحدة، وسياسة واحدة، لتكون أمةً واحدة في السراء والضراء، كما أمر الله تعالى.

فكان معبراً عن القوة المترابطة التي يشد بعضُها أزر بعض، ويتداعى بعضها لبعض لتقاسم المصالح، وتحمل الأخطار، فكان إعلانَ نهضةِ أمة، وإعلانَ بناء دولة، وإعلان بناء حضارة، وإعلان أسس مبادئ الأخوة الإسلامية والإنسانية على الخير والرُّقي بالشعب والوطن، ومنذُ ذلكم التاريخ وصداه يُجلجل في الخافقين، وكل عام يقدم نهضةً لم يشهدها الذي قبله، ويرسّخ مكانة الدولة عالمياً بما لا مثيل لها، حتى أصبحت دولة الإمارات مضربَ المثل في كل رُقِيٍّ ينشده الإنسان، وما كان ذلك ليتم لولا ذلكم التأسيس الذي أرساه زعماء الاتحاد في يوم إعلانه، فجعلوه حجر الزاوية للانطلاقة الكبرى لشعبهم ووطنهم نحو الآفاق البعيدة، ثم جاء أبناؤهم فحملوا الراية التي رفعها الآباء، وانطلقوا بها نحو ذلك الطموح الذي أسسه آباؤهم، ولم يكتفوا بالمُضِيِّ نحو آفاق الأرض حتى وجهوه نحو أجواء السماء، فكان حالهم كما قال النابغة الجعدي: «بلغنا السماءَ مجدنا وجدودنا * وإِنَّا لَنبْغي فوق ذلك مَظْهرا».

نعم هذا هو الاتحاد المبارك الذي أرسى قواعده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وأخوه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه، وإخوانهما الشيوخ الذين وقعوا وثيقة الاتحاد في قصر الاتحاد، ورفعوا علم الاتحاد بأيديهم المباركة ليظل هذا العلم شامخاً، يحكي حكاية دولة حضارية سبقت زمانها، وعمرت مكانها.

إن ذكرى الاتحاد هي ذكرى تغنَّى بها الآباء، ونتغنَّى بها، ويتغنى بها الأولاد والأحفاد ما دامت الدنيا باقية إن شاء الله تعالى، وشعار كل متغنٍ بها هو «الاتحاد قوة، والاتحاد بناء، والاتحاد قِيم، والاتحاد ثقافة».

وكلما تجددت ذكراه؛ فإنها تستوجب شكر الله تعالى المنعم باتحاد الكلمة، واجتماع الرأي على إنشاء كيان واحد اسمه «الإمارات العربية المتحدة» الذي نفاخر به الأمم؛ لأنه قام مترجِماً لمعاني الأخوة الأسرية السابقة، والأخوة الإيمانية الواجبة، ولأنه قام ليدوم، وليكون نموذجاً يُحتذى لصدق الإرادة، وصفاء النية، ولتكون ثمرته الحضارةَ المادية والفكرية، والتقدم الصناعي النوعي، والسمعة التي تضرب في الأرض، فمن يحمله هو مرحب به في أي مكان من العالم، فيستقبل بلسان الثناء العاطر على القيادة التي أسست، والتي رعت، والتي بنت وحفظت. حفظ الله الاتحاد قيادته وشعبه وأرضه.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة