دعيني أجرب
دعيني أجرب ذاك الطريق وأختبر عثراته وأبحث عن بدايات تناسبني، واتركي لي المساحات البيضاء في كتاب العمر أضع أنا مفرداتها وانتقي صورها وأرسم فيها أحلامي.
دعي عنك تلك الهواجس التي تعكر صفو أيامك وهدوء أوقاتك، فالعالم رغم كل حماقاته به الكثير من المناطق المضيئة والسعادة التي تستحق أن تُعاش والأوقات الحلوة برفقة الأصدقاء.
اسمحي لي أن أضحك من قلبي بلا هموم، ومدي يديك لتعيديني إلى نفسي كلما يئست، وساعديني على أن أكون ما أريده أنا لا أنت.
اغفري لي جدالي الذي لا ينتهي، فنحن جيل فُتحت له كل الأسرار، واطلع على الخفايا، وتشكك في الموروث والعادات، فرأى بلا تجميل أو مواربة كل الأشياء.
تقبلي أخطائي، فليس بوسعك حمايتي منها، وانظري لها كتجارب وخبرات تعلمني الصواب، واطمئني لما غرستِ في الصغر، وانظري لي جيداً، فلكم أشبهك في الملامح وأشبه عصري وزماني في الطباع.
أحبيني بقدراتي وضعفي وأوقات فشلي، فحبك ودعاؤك وحده كان ولايزال سياج الأمان ومتكئي وعصاي في الروحات والغدوات.
كنتُ دائماً خلفك، أحتمي بظهرك وأرقب الأيام تمضي وأنا ألتصق بك، وأخاف يوماً تطلقين فيه أجنحتي للحياة وها قد فعلت، لكن بي قوة من إصرارك، والكثير من حبك للتحدي، ويقين بأن الشجاعة في المواجهة لا في الانسحاب أو التخلي، فلا تخافي، فأنا بنت عمرك وغرس يديك، ونتاج جهدك وصبرك.
كثيراً ما نستمع نحن الأمهات إلى مثل هذه الأفكار والآراء والكلمات من بناتنا كلما حاولنا نصحهن أو فرض وجهة نظرنا أو حتى حمايتهن من الأخطاء والعثرات التي مررنا بها، بحجة أننا جربنا فلا داعي أن يجربن الطريق ذاته، والنهايات معروفة، سواء كان ذلك على مستوى الدراسة أو العمل أو اختيار شريك العمر، وننسى بحبنا الزائد وحرصنا على إسعادهن أنهن جيل مختلف، خُلق لزمان غير زماننا، ومن حقهن أن يصنعن تجاربهن الخاصة، ويحلمن بما يناسبهن، طالما لم يتجاوزن قيم الدين والأخلاق.
البنات جواهر البيوت، ومصابيحها المضيئة، والمؤنسات الغاليات على نفوسنا، وصور تطابقنا في الماضي، وسند وود ينتظرنا في آخر العمر، ولهن علينا حق الاستماع بالقلب والعقل، وتفهم ما يحتجنه وما يناسبهن ويرضي طموحهن للحاضر والمستقبل.
amalalmenshawi@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه