السعي وراء الكمال

السعي وراء الكمال كالسعي وراء السراب، يبدو أن الفرد يسير في الصحراء باحثاً عن الماء، لكن كل خطوة تقوده إلى سراب أبعد.

تقول إلين هندريكسن، الاختصاصية النفسية السريرية، في كتابها «كيف يكون ما أنجزته كافياً؟»، إن للسعي لتحقيق الكمال وجهاً مظلماً قد يُغرق الشخص في دوامة لا تنتهي من العزلة والنقد الذاتي، في حديثها توضح أن السعي وراء الكمال يبدأ بنية طيبة، فهي تدفعنا لأن نكون جادين، ونؤدي الأمور على أكمل وجه، لكن ذلك قد يزج بنا في حيرة من التوقعات غير الواقعية.

مسألة السعي وراء الكمال، في جوهرها، تشبه زهرة جميلة تنمو في أرض خصبة، حيث تزداد نجاحاتنا في الدراسة أو العمل أو حتى في حياتنا الشخصية، لكنها في الوقت ذاته، زهرة محاطة بأشواك من المقارنات الاجتماعية والتساؤلات المستمرة: «هل أنا جيد بما فيه الكفاية؟». في البداية، قد نحقق بعض النجاحات، لكن بعد فترة، تتحول هذه النجاحات إلى عبء ثقيل، فكل فشل يصبح حبلاً يلتف حول رقبتنا، وكل انتصار يذهب بنا إلى نقطة جديدة من الشك.

عندما تصبح مساعينا وراء الكمال غير صحية، نجد أنفسنا عالقين في دائرة مغلقة من الأهداف التي لا يمكن الوصول إليها. نحن نحاول أن نكون مثاليين ليس لأننا نحب التميّز، بل لأننا نعتقد أن الكمال هو الطريق إلى القبول والانتماء. إلا أن الكمال لا يعطينا إلا إعجاب الآخرين بنا وليس قبولهم الحقيقي لنا، وحين يُعجب بنا الآخرون نرتفع إلى عرش فردي، نراه بمثابة انتصار، لكن سرعان ما نكتشف أننا في عزلة غير مرئية.

تقول إلين إن هناك مساراً واضحاً يقودنا إلى الانهيار: نضع معاييرنا الشخصية على قمة جبل عالٍ، فإن لم نصل إليها، نغرق في بحر من الانهزام الداخلي، إذا فشلنا في الوصول إلى هذه المعايير، فإننا نرى أنفسنا فاشلين، ليس لأننا لا نستطيع، بل لأن معاييرنا كانت بعيدة المنال. وإذا وصلنا إلى تلك المعايير، فإننا نقرر أنها لم تكن صعبة بما فيه الكفاية، فيبدأ الشك في التسلل إلى نفوسنا.

لكن إلين تقدم لنا بعضاً من الأمل، تقول إننا لا نحتاج إلى تغيير أنفسنا بشكل جذري. بدلاً من ذلك، يمكننا أن نتعلم كيفية التعامل مع نقدنا الذاتي كما نتعامل مع الموسيقى في المقهى، نسمعها لكن لا نغني على ألحانها، لنركز إذن على النجاح الكافي بدلاً من السعي المُرهق وراء الكمال.

* باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه