شهرٌ ترفع فيه الأعمال
نحن في هذا الشهر الكريم الذي اختُصَّ بخصائصَ ميَّزته عن غيره، بيَّنها النبي، عليه الصلاة والسلام، بما رواه أسامة بن زيد، رضي الله تعالى عنه، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجبَ ورمضان، وهو شهرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم».
فأول خصائصه أنه شهر يغفل فيه الناس عن المنافسة في الخير، ومعلومٌ أنه لا ينبغي للمسلم أن يهمل زمناً عن إعماره بالطاعات، إلا أن الناس قد يفترون عن الطاعة بعد الشهر الحرام «رجب»، ولعلهم يسوِّفون بقدوم شهر رمضان فيسارعون فيه للخيرات، لكن المرء لا يضمن إدراك رمضان، فليس له إلا الساعةُ التي هو فيها، فينبغي عمارة هذا الشهر بالصيام الذي هو من أحب الأعمال لله تعالى، كما ورد «من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله عن وجهه النار سبعين خريفاً».
وثاني خصائصه أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى؛ خيرها وشرها، وهذا الرفع السنوي خلاف الرفعِ الليلي والنهاري الذي ترفعه الملائكة المتعاقبون، وما أجملَ أن يكون رفع عمل العبد لربه وهو متبتِّل إلى الله تعالى بالصيام الذي قال عنه ربنا سبحانه: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به»، ولأن الصيام تشبُّهٌ بالملائكة الكرام، وفيه محاسبة النفس عما لا يحل، فتكون نفساً زاكية.
الخصوصية الثالثة أن فيه ليلة النصف، وهي من أفضل الليالي التي ميّزها الله تعالى عن غيرها، كما قال الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان اطَّلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد لحقدهم حتى يدعوه». وفي حديث آخر «إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الرب، تبارك وتعالى، إلى السماء الدنيا، فيغفر من الذنوب أكثر من عدد شعر غنم كلب». - قبيلة من العرب كانت أكثر القبائل غنماً - وفي حديث آخر «إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ ألا مبتلى فأعافيه؟ ألا كذا؟ ألا كذا؟ حتى يطلع الفجر».
وهي إحدى الليالي الخمس التي ورد عن السلف أن الله تعالى يصب فيها الخير صباً.
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه