صارخ ع الفاضي

د. يوسف الشريف

في كثير من المواقف نعتقد أن رفع الصوت أسرع وسيلة لاسترداد الحقوق.. نصرخ، نحتج، نُلوّح بالشكاوى، معتقدين أن ذلك يكفي ليُحدث تغييراً، لكن الواقع غير ذلك: الصراخ من دون متابعة وإصرار، لا يتجاوز كونه مجرد رد عابر، سرعان ما يذوب وسط تجاهل المسؤولين، وازدحام التفاصيل اليومية.

تجربة سفر مررت بها أخيراً في أحد المطارات خارج الدولة، كشفت لي الوجه الحقيقي لهذا الغضب المؤقت، تأخير لساعات داخل طائرة، حرارة خانقة، وجوع تجاهلته وعود متكررة بأن الإقلاع «قريباً»، بدأ الصبر ينفد، ومعه تصاعدت أصوات الاحتجاج، بعض الركاب طالبوا بالنزول، وآخرون لوّحوا بضرورة اتخاذ إجراء فوري، كنا نظن أن الضوضاء ستدفع الطاقم لإيجاد حل سريع، لكن النتيجة؟ بقينا مكاننا حتى أنزلونا بعد خمس ساعات من الاحتجاز غير المبرر.

خرجنا غاضبين، وتدافع البعض نحو موظفي المطار لتقديم شكاوى عاجلة، وبمرور الوقت بدأت الانفعالات تخفت، وتحوّل الصراخ لصمت، وانشغل الركاب بالهواتف أو فنجان قهوة، وكأن ما حدث كان مجرد موجة غضب لحظية.

لكن المفارقة أن هذه الشركات ليست عشوائية في تعاملها مع العملاء، هي مدربة على امتصاص الغضب الأوّلي، مستندة إلى أن معظم الناس يثورون، ثم يتراجعون تدريجياً، حتى يصبح الأمر مجرد قصة.

ما لا يدركه كثيرون أن التجاهل ليس دائماً ضعفاً بالأداء، بل قد يكون جزءاً من استراتيجية مدروسة، فالعميل الغاضب يعتقد أنه يُحدث تأثيراً عندما يصرخ أو يشتكي، لكن في الحقيقة، النظام مصمم لامتصاص هذه الطاقة حتى تتلاشى.

لكن ماذا لو أن كل شخص تابع شكواه بإصرار؟.. حتى إن سكتُّ عن حقي فلن أمنحهم تقييماً إيجابياً، بل أُقيّم التجربة بـ«صفر من 10»، لأن المشكلة في تحول العميل من محور اهتمام إلى مجرد رقم بنظام خدمة العملاء.

الصراخ وحده لا يُغيّر شيئاً، والحقوق لا تُنتزع بالصوت العالي فقط، بل بالإصرار والصبر لإنهاء القضية.

* محامٍ وكاتب إعلامي

twitter.com/dryalsharif

www.ysalc.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix