دستور أهل القبلة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

انعقد مؤتمر «الحوار الإسلامي الإسلامي أمة واحدة ومصير مشترك» بمملكة البحرين، وبرعاية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وفقه الله، وتنظيم المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمملكة البحرين، ومجلس حكماء المسلمين، وكان من مخرجاته اقتراح قدمه شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، وثيقة تسمى «دستور أهل القِبلة» الذي يعني أن تجتمع الأمة على مقتضى رابطة الإسلام وأخوَّته، من غير نظر إلى الاختلافات المذهبية والأيديولوجية التي فرقت الأمة الواحدة، وذلك أخذاً من قوله، صلى الله عليه وسلم، المخرّج في الصحيحين: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته».

وقد أشار فضيلته إلى أن هذا المفهوم سبق طرحه في الثمانينات من قبل الشيخ محمد أبوزهرة، رحمه الله تعالى.

وقد لقي هذا المقترح ترحيباً واسعاً من الحاضرين الذين اجتمعت كلمتهم على ضرورة توحيد الأمة الإسلامية على الأصول المشتركة، وترك الخلافات المذهبية كل على معتقده ومنهجه، أخذاً بالقاعدة الذهبية التي أشار إليها فضيلته «نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه»، فإنه لا سبيل لأن يترك أحد معتقده ومنهجه، فلكلٍّ وجهةٌ هو موليها.

ولا ريب أن هذا المؤتمر يعد خطوةً رائدةً تعبّر عن جهود مجلس حكماء المسلمين في جمع شتات الأمة لتوحيد كلمتها نحو الإخاء الإسلامي؛ لأن عالمنا الإسلامي مثقل بجراحات الخلاف المذهبي الذي تطور إلى اقتتال ودمار في بعض البلدان، وتنافر وتشاحن في كل بلد تقريباً، فتصير الأمة التي سماها الله تعالى «واحدة» أمماً متفرقة متناحرة، وهذا يتنافى مع منهج الإسلام في الوحدة والاعتصام بحبل الله الواحد، لما في هذا المنهج من سماحة واستقرار وبناء وتطور، ودعوة للآخرين أن يدخلوا فيه إن رأوا فيه هذه المعاني الإنسانية الراقية.

وقد حضر هذا المؤتمر عدد كبير من مختلف العالم الإسلامي من المشارب والمذاهب المختلفة، وكلهم ينشد هذا المبدأ العظيم، وكلهم يتألم من الواقع المرير الذي تعيشه الأمة، ولا سبيل لإخراجها منه إلا عن طريق وحدة هدفها، وتناسي الخلافات المؤثرة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال العلماء والدعاة المؤثرين، فهم دعاة الوحدة أو سبب الفرقة، فكان تحرك مجلس حكماء المسلمين بهذه الرعاية من مملكة البحرين تحركاً حميداً يشكر عليه، ولعله يحقق ما يصبو إليه في تحقيق أهداف المؤتمر التي عبر عنها عنوانه.

وقد خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات المفيدة التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة.

وبالله التوفيق.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر
log/pix