جائزة المقال الإماراتي
كان يوم 16 يناير 2025 يوماً مهماً ومميزاً في تاريخ بروز وتطوّر أدب المقال في الإمارات، ففي هذا اليوم تم الإعلان عن جائزة المقال الإماراتي، بحضور سعادة منى المري رئيسة نادي دبي للصحافة، وأعضاء مجلس أمناء الجائزة، وجمهور من الكتاب والأدباء والإعلاميين والمثقفين. شكّل الإعلان عن تأسيس جائزة المقال الإماراتي نقلة مهمة في تشجيع أدب المقال الوطني، وتقدير كاتب المقال الإماراتي، وتعزيز حضور المقال في المشهد الثقافي الإماراتي.
لم يكن لهذه الجائزة الوطنية أن تبصر النور وتتحوّل إلى واقع لولا الدعم المعنوي والمالي والاهتمام الشخصي من مؤسسها رجل الأعمال والأديب الأستاذ عبدالغفار حسين، فهو الذي استحسن فكرة الجائزة، وحرص على اختيار مجلس أمنائها، وتبنّى أهدافها وتبرّع لها من ماله، كما حرص مؤسس الجائزة على ألّا تحمل اسمه، بل أرادها أن تكون جائزة إماراتية وطنية خالصة تحمل اسم جائزة المقال الإماراتي.
الأستاذ عبدالغفار حسين رجل أعمال مخضرم، له باع في التجارة والصناعة والعقار ودنيا المال والأعمال، لكن قلبه قلب أديب وشاعر ومؤرخ وكاتب مقال، ومؤلف أكثر من 10 كتب، من بينها كتابه الموسوعي بعنوان «كتب من الإمارات» الذي صدر سنة 2000، هذا الكتاب فريد من نوعه، لأنه يضم مراجعات نقدية لكتب عن الإمارات، لأبناء الإمارات ولغيرهم، باللغة العربية أو الإنجليزية. لدى مؤسس جائزة المقال الإماراتي مجموعة واسعة من تلك الكتب التي اطلع عليها، وقام بعد ذلك بالتعريف بها وتناولها بالنقد والإضافة والإضاءة.
لمؤسس جائزة المقال الإماراتي باع طويل في رئاسة عدد من المؤسسات الثقافة في الإمارات، فقد تولّى رئاسة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ورئاسة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وأسس جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، وتولّى رئاستها نحو 10 سنوات. وجاءت جائزة المقال الإماراتي تتويجاً لهذا التاريخ الحافل لنشاطه الأدبي والثقافي والمجتمعي التطوعي، لذلك استحق أن يكرّم بوشاح محمد بن راشد عام 2011، تقديراً لمنجزاته وإسهاماته الوطنية.
كما جاءت جائزة المقال الإماراتي لتُشكل إضافة للجوائز الأدبية والثقافية التي تنطلق من أرض الإمارات، فالإمارات هي من بين أكثر الدول العربية التي تحتضن الجوائز وترعى الإبداع والمبدعين والثقافة والمثقفين، والأدب والأدباء العرب. لقد تميزت الإمارات في مجال الجوائز التشجيعية والتقديرية والتكريمية التي أصبحت جزءاً من قوتها الناعمة، وأسهمت في تأكيد حضورها عاصمة التنوير العربي الجديد.
فمن بين نحو 220 جائزة أدبية وثقافية وإبداعية عربية هناك 90 جائزة إماراتية، أي أكثر من 40% من الجوائز العربية إماراتية. لقد أصبحت مدن الإمارات، لاسيما أبوظبي ودبي والشارقة، عواصم يؤمها المبدعون العرب في مواسم توزيع الجوائز السنوية.
ولا تقتصر الجوائز الإماراتية الثقافية والمعرفية على الكم وحده، بل إن أكثر الجوائز العربية شهرة وقيمة وتأثيراً هي جوائز إماراتية أيضاً.
ومن أبرز الجوائز الإماراتية جائزة نوابغ العرب التي أخذت تعرف بجائزة نوبل العرب، وجائزة تحدي القراءة العربي، وهي مبادرة ثقافية انطلقت من دبي سنة 2015 من أجل تعزيز حب القراءة وإحياء مكانة اللغة العربية، وتنمية الفكر النقدي لدى أطفال وشباب العرب. كما أن هناك جائزة الشيخ زايد للكتاب والترجمة التي هي من بين أكثر الجوائز العربية قيمة وقدراً، وأطلقت سنة 2006 تكريماً لإسهامات المفكرين العرب الذين أثروا الفكر والثقافة الإنسانية. أمّا الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر العربية)، التي تأسست سنة 2007 بتمويل من دائرة الثقافة-أبوظبي، من أجل تشجيع الإبداع الروائي العربي وتعزيز حضوره العالمي، فهي أشهر الجوائز الأدبية العربية على الإطلاق، وأسهمت في تعزيز ما سماه الأديب المصري الدكتور جابر عصفور «زمن الرواية العربية»، التي أصبحت الأداة الإبداعية الأولى للتعريف بقضايا وهموم الأمة، بدلاً من الشعر العربي، الذي تراجع حضوره في المشهد الثقافي العربي في السنوات الأخيرة.
جائزة المقال الإماراتي هي آخر عنقود الجوائز الثقافية والمعرفية الإماراتية التي تجسد سمة العطاء والسخاء الإماراتي في مجال احتضان الإبداع والمبدعين محلياً وعربياً وعالمياً، وأكثر ما يميز هذه الجائزة الجديدة أنها وطنية خالصة تتجه إلى الداخل الإماراتي. جاءت هذه الجائزة الأدبية لتجيب عن السؤال: أين المقال الإماراتي؟ وأين كاتب المقال الوطني؟ وكيف يمكن الارتقاء بأدب المقال في المشهد الثقافي الإماراتي الذي يشهد حراكاً ملحوظاً في حقل الفن بكل حقوله، والأدب بكل فروعه، والفكر بكل عوالمه؟ والأهم من ذلك كيف يمكن إيصال المقال الإماراتي، وكاتب المقال الوطني إلى العالمية لمواكبة رحلة الإمارات نحو العالمية؟
باحث وأستاذ العلوم السياسية
Abdulkhaleq_UAE@
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه