أنا والمحاماة
على مدى 30 عاماً، كنت جزءاً من عالم المحاماة، عالم مملوء بالتجارب التي صنعت شخصيتي المهنية وصقلت رؤيتي. البعض يراها مهنة للدفاع عن الحقوق، والبعض الآخر يصفها بالرسالة، لكنني أراها، قبل كل شيء، مهنة حرة تتيح لصاحبها الإبداع واتخاذ القرارات، تماماً كأي عمل تجاري يعتمد على الذكاء والمهارة في إدارة القضايا والعلاقات. النجاح فيها لا يرتبط بالمعرفة القانونية فقط، بل أيضاً بقدرة المحامي على التفاوض، وتحليل المواقف، وفهم احتياجات موكّليه بذكاء ومرونة.
في الإمارات، الحاجة إلى المحاماة كبيرة، خصوصاً مع التطور السريع في القوانين والتشريعات. ومع ذلك، فإن عدد المحامين اليوم أكبر بكثير من حجم القضايا المتاحة، ما جعل المنافسة غير متوازنة. البعض اضطر إلى تخفيض أتعابه بشكل مبالغ فيه لمجرد الحصول على القضايا، بينما ترك البعض الآخر المهنة بحثاً عن وظائف أكثر استقراراً. هذه الظاهرة تطرح تساؤلاً مهماً: هل تساعد بيئة العمل الحالية المحامي على النجاح أم تُعيقه؟
المحامي يجب ألا يُعامل كمراجع عادي ينتظر في الطوابير أو يتنقل بين المكاتب الحكومية لإنجاز معاملة. هو شريك أساسي في تحقيق العدالة، ويجب أن يحصل على امتيازات تُسهّل عمله داخل المحاكم، ومراكز الشرطة، والجهات الحكومية. البيروقراطية المفرطة تجعل الإجراءات أكثر تعقيداً وتحدّ من قدرة المحامي على التركيز على جوهر عمله القانوني. كما أن فكرة فرض قيود صارمة على المحامين، من خلال لجان التأديب والضوابط المتشددة، تجعل البيئة طاردة للمبدعين بدلاً من أن تحتضنهم.
إضافة إلى ذلك، لا أجد مبرراً لمنع المحامي من ممارسة الأعمال التجارية إلى جانب مهنته. هذا المنع لا يستند إلى منطق حقيقي، بل هو امتداد لتشريعات قديمة لم تعد تتناسب مع متطلبات العصر. يجب أن يكون للمحامي الحق في تنويع مصادر دخله، دون أن يتعارض ذلك مع مهنته أو يقلل من نزاهته، كما يجب إنشاء هيئة مستقلة تُعنى بشؤون المحامين، تضمن حقوقهم، وتضع ضوابط عادلة للأتعاب، بحيث لا تكون سوق المهنة عرضة للتنافس غير العادل، أو الاستغلال.
المحاماة ليست مجرد وظيفة، بل مجال متكامل يتطلب بيئة مرنة تدعم المحامي، بدلاً من أن تُعيقه. حان الوقت لإعادة النظر في كثير من القوانين التي تحكم المهنة، وإيجاد حلول تضمن استمرارها كواحدة من أهم المهن التي تسهم في تحقيق العدالة وحفظ الحقوق.
*محامٍ وكاتب إعلامي
twitter.com/dryalsharif
www.ysalc.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه