التسوية الأسرية.. نهج ودي لحماية الروابط العائلية

مريم ماجد بن ثنية

في ظل تسارع الحياة، وتزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، تظل الأسرة الركيزة الأساسية لاستقرار المجتمع، غير أن الخلافات الأسرية، إذا لم تُحل بوعي وحكمة، قد تتحول إلى أزمات تهدد هذا الاستقرار.

من هنا تبرز أهمية الحلول البديلة التي لا تقتصر على تخفيف الأعباء عن المحاكم، بل تسهم في حماية الروابط الأسرية من التصدّع، وتحويل النزاعات إلى فرص لإعادة بناء العلاقات على أسس أقوى وأكثر نضجاً.

لقد تمكّن العديد من المبادرات المتخصصة في التوجيه الأسري من تسوية عدد كبير من النزاعات الأسرية بطريقة ودية خلال فترة قصيرة، واستفاد الآلاف من ورش تدريبية تهدف إلى ترسيخ ثقافة التسوية السلمية.

هذا التحول يعكس وعياً متزايداً بأهمية اعتماد الحوار والتفاهم كأدوات أساسية لحل الخلافات، بعيداً عن المسارات القضائية التي قد تعمّق المشكلات بدلاً من حلها.

اليوم، لم يعد التوجيه الأسري مجرد إجراء قانوني، بل أصبح مساحة آمنة للحوار، حيث يمكن للأزواج إعادة النظر في خلافاتهم، وفهم احتياجات بعضهم بمساعدة مختصين قادرين على تقديم حلول تتناسب مع طبيعة كل علاقة.

وجود مراكز متخصصة وخطوط دعم يمنح الأسر خيارات عملية لتجاوز الخلافات قبل أن تتفاقم، حيث تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من النزاعات الأسرية يمكن حلها عبر الوساطة، وهو ما يقلل من الضغط القانوني والنفسي على الأفراد، ويحدّ من حالات الطلاق التي قد يكون بالإمكان تفاديها عبر حلول أكثر هدوءاً واتزاناً. تأثير هذه الحلول لا يتوقف عند الزوجين، بل يمتد إلى الأطفال الذين يكونون الأكثر تأثراً بالخلافات الأسرية، كما يسهم الاستقرار العائلي في توفير بيئة آمنة وداعمة، تنعكس على صحتهم النفسية وسلوكهم الاجتماعي.

في ظل المتغيرات الاجتماعية، يصبح تعزيز ثقافة التسوية الودية ضرورة لضمان مجتمع أكثر تماسكاً. وأرى أن هذا المفهوم يجب أن يكون جزءاً أصيلاً من برامج التوعية المجتمعية، ويسهم في إعداد جيل قادر على إدارة خلافاته بوعي ومسؤولية، وهو ما يعزز قيم التسامح والتفاهم التي يحتاجها المجتمع لمواكبة تطوراته دون أن يفقد ترابطه، فالاستثمار في الحلول يرسّخ نموذجاً أكثر نضجاً للعلاقات الأسرية.

في النهاية، النجاح لا يكمن في تجنب المشكلات تماماً، بل في القدرة على تجاوزها بوعي يضمن استمرارية العلاقات، ويعزز قيم الاحترام داخل الأسرة والمجتمع.

عضو المجلس الوطني الاتحادي

@ M_BinTheneya

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix