شهر التزكية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

شهر رمضان هو شهر التزكية التي هي من غايات بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال ربنا سبحانه وتعالى ﴿رَبَّنا وَابعَث فيهِم رَسولًا مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَيُزَكّيهِم إِنَّكَ أَنتَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾.

وقال سبحانه: ﴿لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ﴾.

والتزكية التي بعث بها النبي عليه الصلاة والسلام تعني تهذيب النفس بتخليها عن الرذائل وتحليها بالفضائل، ولا تكون النفس كذلك إلا بترويض وتدريب، وأفضل ترويض لها هو الصيام الذي تصوم فيه الجوارح عن الآثام الحسية والمعنوية، فالصائم لا يرفث ولا يصخب ولا يفسق، وإن جادله أحد قال: «إني امرؤ صائم»، ذلك لأن صيامه جُنَّة تقيه من الوقوع في المخالفات الشرعية التي نهى الله تعالى عنها في كل وقت، وفي وقت الصيام يكون النهي أشد لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» فالصائم يراقب ربه، ويحرص على أن يكون صيامه مقبولاً، وذلك بتحليه بالمعاني الروحية التي تحقق له المبتغى عند الله تعالى، وهو أن ينال جزاءه بغير حساب كما وعده بذلك في الحديث القدسي «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به..».

وقد جمع هذه المعاني قوله تعالى في عِلِّية فرض الصيام بقوله سبحانه ﴿لعلكم تتقون﴾ ولا يتحقق المرء بالتقوى إلا إذا كان متقياً المآثم، مؤدياً للواجبات بحيث لا يفقده ربه حيث أمره ولا يجده حيث نهاه، وهذا ما يتحلَّى به الصائم في نهاره وليله بالإنابة والمراقبة للمولى الكريم سبحانه.

وإذا كان حاله كذلك في شهر كامل فلا ريب أنه سيتزكى ويترقى في مقامات الإيمان، وسيناديه باب الريان إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين.

وقد ورد عن بعض السلف في تأويل قول الله تعالى: ﴿قد أفلح من تزكى﴾ قال بالعمل الصالح، وقيل: أي فاز وسعد من اتقى الله في السر والعلانية، وقيل: قد أَنْجَح وأَدْرَكَ طَلِبَتَه مَن تَطَهَّر مِن الكفرِ ومعاصي اللهِ، وعمِل بما أمَره اللهُ فأَدَّى فرائضَه.

وكل هذا هو ما يكون في شهر رمضان من مراقبة دائمة وعمل صالح.

جعلنا الله ممن كان صيامه تزكية، وقيامه ترقية، فهو بالإجابة جدير وهو نعم المولى ونعم النصير.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix