شهر الاستدامة
كل عام، عندما يهلّ رمضان، نشعر بتلك الروحانية، وكأن الزمن يتباطأ ليمنحنا فرصة لإعادة اكتشاف أنفسنا. نعيد ترتيب أولوياتنا، نلتزم بالصلاة، نقرأ القرآن، نحاول أن نكون أكثر صبراً ورحمة، لكن هناك درساً آخر يعطينا إياه رمضان، إنه درس الاستدامة، ففي الوقت الذي يدعونا فيه رمضان إلى الاعتدال، نجد أن موائدنا تمتلئ بأضعاف ما نحتاج، وكأننا نحاول تعويض ساعات الصيام بأطباق لا تنتهي، ليتحوّل رمضان من شهر التقوى إلى موسم للهدر.
الأرقام لا تكذب، وفقاً للعديد من الدراسات يتم التخلص من 1.3 مليار طن من الطعام سنوياً، أي ما يعادل ثلث الإنتاج الغذائي العالمي، في وقت يعيش أكثر من 820 مليون شخص في العالم تحت خط الجوع.
في الدول العربية تتضاعف أرقام الهدر في رمضان بشكل مخيف، حيث تشير الدراسات إلى أن 25% إلى 50% من الطعام المطبوخ يومياً ينتهي في القمامة.
المشكلة لا تتوقف عند الهدر، بل تمتد إلى البيئة، حيث يؤدي تحلل الطعام إلى انبعاث كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يجعل هذا الهدر خسارة اقتصادية وأخلاقية، وكارثة بيئية بكل المقاييس.
تخيلوا لو أننا تعاملنا مع الطعام في رمضان كما نتعامل مع أوقات الصلاة، نتناول منه ما يكفينا دون إسراف لتكون موائد الإفطار فرصة لممارسة الامتنان الحقيقي؟
الحلول تبدأ بخطوات بسيطة من خلال التخطيط الجيد للوجبات، الطهي بقدر الحاجة، مشاركة الفائض مع المعارف، إعادة تدوير الطعام بطريقة ذكية بدلاً من التخلص منه.
رمضان شهر للاستدامة، ليس فقط في الطعام، بل في استهلاكنا للطاقة، في استخدامنا للمياه، في اختيارنا لما نشتريه وما نستهلكه، فهل نخرج من رمضان بعادة جديدة، تجعل الاستدامة أسلوب حياة، وليست مجرد شعار؟
* مؤسس سهيل للحلول الذكية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه