الصيام جُنّة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الصيام جُنّة كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنّة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين». ومعنى كونه جُنّة أي وقاية من الإثم والعصيان، بسبب أن الصائم تصوم جوارحه عن المعاصي التي قد تنطلق في غير حال الصيام، بما يعرف بآفات اللسان. أما الصائم فإنه يراقب ربه سبحانه فلا يقع في محظور المخالفة. ومن أكبر المخالفات الشرعية معاصي اللسان التي هي السبب في أن يُكبّ الناس في النار على مناخرهم، كما ثبت في الصحيح، لذلك حذّر النبي عليه الصلاة والسلام من الوقوع في هذه المخالفات، وبيّن أخطرها وهو الرفث، أي قول ما يدعو إلى شهوة النساء، ولا يجهل على من جهل عليه بسباب أو اعتداء نفسي أو بدني، بل أن يتحمل الأذى في هذه الحالة، ولا يُجزي السيئة بمثلها، كما هو مشروع في غير حال الصيام، بل أن يُلجم نفسه بتذكر الصيام، ويُلجم خصمه بذلك لعله يتذكر أو يخشى.

لقد اختص ربنا سبحانه الصيام لنفسه، فقال في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، فعلى الصائم أن يتذكر توفيق الله تعالى له بهذه العبادة التي هي من أحب العبادات إليه سبحانه، ويتذكر ما أعدّه الله تعالى له من عظيم الأجر إن هو صام حِساً ومعنىً، وإن لم ينته عن ذلك فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، لحديث: «من لم يَدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدع طعامه وشرابه».

الصيام جُنّة يربي المسلم على مكارم الأخلاق، فيصون لسانه وسمعه وبصره عن المحرمات، فإذا تمرس على ذلك شهراً كاملاً، فإنه يقدر على أن يُنمِّي في نفسه ملكة الأخلاق الكريمة التي هي أسمى صفات المؤمن الذي يرغب في أن يُثقل ميزان حسناته، فلن يجد أكثر مُثقِّل لها من الأخلاق الكريمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أثقل ما وضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء»، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله وحسن الخلق».

فجُنّة الصيام توصل المسلم إلى هذه المرتبة الزاكية التي بعث النبي عليه الصلاة والسلام لإتمامها، والتي أمرنا أن نتحلى بها في جميع أحوالنا وفي شهرنا هذا خصوصاً.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix