تغرير أم عدم وعي!

محمد نجيب*

يحدث كثيراً، أن يشتري أحدنا أو يبيع شيئاً ويكتشف أنه تعرض للغبن، كأن يكون الشيء الذي اشتراه أغلى كثيراً من قيمته الحقيقية، أو الذي باعه أقل مما يستحق!

هذه مسألة مهمة، ومن الضروري استيعاب جوانبها القانونية لتفادي تبعاتها المادية والنفسية، وسنحاول القياس على حالتين أو قضيتين مختلفتين.

الأولى، نزاع حول قطعة أرض عرضت للبيع عن طريق وسيط، ودفع المشتري عربوناً يوازي 10% من قيمة الأرض في صورة شيك ضمان أودعه لدى الوسيط حسب اتفاق مسبق مع البائع بعد تحريرهما عقداً بالبيع، على أن يدفع بقية قيمة الأرض عند نقل الملكية.

وحدد الطرفان تاريخاً للتسجيل، وأوردا كل هذه التفاصيل في العقد الذي تضمن كذلك بنداً ينص على أنه إذا تراجع البائع عن إتمام عملية البيع لأسباب خارجة عن إرادته، فإن للمشتري الحق في فسخ العقد واسترداد العربون مع مثل قيمته على سبيل التعويض.

ونشأ النزاع بسبب تراجع البائع عن الصفقة، وعدم نقل الملكية في الموعد المحدد، ما دفع المشتري إلى إقامة دعوى قضائية ضده مطالباً بالعربون وتعويضاً يماثله في القيمة وفق العقد.

وهنا نصل إلى موضوع المقال، إذ دفع البائع أمام المحكمة بأنه تعرض للتغرير من قبل الوسيط، وأن قيمة الأرض أعلى من الثمن الذي بيعت به، بالنظر إلى قطع مجاورة.

الحالة الثانية تتمثل في عملية بيع شركة، وادعى المشتري لاحقاً أنه تعرض للتغرير من قبل البائع، وأنها لا تستحق المبلغ الذي دفعه، رافضاً سداد بقية ثمنها.

وأفاد بأنه طلب الاطلاع على حساباتها قبل الشراء لكن خدعه البائع، ولم يمكنه من ذلك بدعوى أنها أسرار لا يمكن الإفصاح عنها.

وهكذا نقف أمام حالتين ادعى طرفاهما أنهما تعرضا للتغرير بسبل مختلفة، وفي كلتيهما رفضت المحكمة الدعوى، وقضت لمصلحة الطرف الآخر، فألزمت البائع في القضية الأولى بأداء ما يماثل مبلغ العربون، وألزمت المشتري في الثانية بسداد ما تبقى من ثمن الشركة.

الطرفان الخاسران تذرعا بالتغرير، وهو وضع قانوني لم يتحقق في الحالتين، إذ يشترط أن يخدع أحد المتعاقدين بوسائل احتيالية تحمل على الرضا بما لم يكن ليرضى به بغيرها، وهذا أمر يستدعي شرحاً تفصيلياً في مقال لاحق..

*محكم ومستشار قانوني

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix