نِعَم الحاضر وتأملات المستقبل
نحن نعيش اليوم في عالم مملوء بالنعم والرفاهية التي لم تكن متاحة للأجيال السابقة، من التكييف الذي يخفف عنا حرارة الصيف القاسية، إلى التدفئة التي تبعد عنّا برد الشتاء، وصولاً إلى الطائرات والسيارات التي تقرّب المسافات البعيدة في ساعات قليلة. حياتنا اليوم هي نتاج لتطور تكنولوجي هائل، سهل علينا الكثير من الأمور التي كانت في الماضي ضرباً من الخيال.
إذا عدنا بالذاكرة إلى العصور الماضية، نجد أن حضارات قديمة رغم تقدمها في بعض المجالات كانت تعاني نقصاً في سبل الراحة التي نعيشها اليوم، فوسائل التدفئة كانت تعتمد على الحطب والنار، ما يمثل تحدياً كبيراً في مواجهة الطقس القاسي. في المقابل، نحن اليوم نستفيد من أنظمة تكييف متطورة تتحكم بدرجات الحرارة في منازلنا بشكل مستمر. وربما في المستقبل، قد تصل التكنولوجيا إلى مستوى يسمح بتحويل أجواء دولة بأكملها إلى مناخ معتدل طوال العام، بفضل أنظمة تحكم متقدمة.
التكنولوجيا لم تتوقف عند تسهيل حياة الأفراد في منازلهم، بل امتدت لتشمل وسائل النقل أيضاً. الطائرات، التي نعتبرها اليوم أسرع وسيلة للسفر، قد تبدو للأجيال القادمة بطيئة ومحدودة. كما ننظر نحن للعجلة الخشبية كأداة بدائية، قد ينظرون هم إلى الطائرات بالطريقة نفسها. يمكن أن يظهر نوع جديد من وسائل النقل يسافر بسرعات هائلة تتجاوز سرعة الطائرات الحالية بمرات، تجعلنا نتذكر السفر بالطائرات كأنه تنقل بوسيلة قديمة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيقول عنا أحفادنا بعد 50 أو 100 عام؟ هل سيشعرون بالشفقة تجاه حياتنا التي نعتبرها مملوءة بالرفاهية؟ هل سيعتبرون أن استخدامنا التكنولوجيا الحالية كان بدائياً، مقارنةً بما سيحظون به من تقدم؟
من هذا المنطلق، ندرك أن ديدن الحياة هو التطور والتقدم المستمر. كل جيل يبني على إنجازات من سبقه، ويحاول التغلب على التحديات بطرق جديدة ومبتكرة. الحكمة التي يمكن استخلاصها هنا هي أهمية الشكر على النعم التي نعيشها الآن، والتأمل في كيفية تسخير هذه النعم لتترك أثراً إيجابياً للأجيال القادمة. ربما ما نعتبره اليوم قمة الراحة والتطور سيكون محط مقارنة لأحفادنا الذين سيجدون طرقاً جديدة للعيش بشكل أفضل وأكثر راحة.
بفضل التقدم المستمر، يجب أن نسعى جاهدين لنترك إرثاً يسهم في تحسين حياة الأجيال المقبلة، مثلما استفدنا نحن من تقدم الأجيال السابقة. التحدي ليس في الاستمتاع بما هو متاح، بل في استغلاله لتطوير المستقبل، تماماً كما فعل أسلافنا من قبل.
*محامي وكاتب إعلامي
www.ysalc.ae
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه