شهر القيام
يطلق الناس على هذا الشهر الكريم أنه شهر القيام، ويعنون بذلك ما لهذا الشهر من خصوصية قيامه الذي حث عليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي حديث آخر: «من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه».
والمراد بالقيام صلاة التراويح، يسمونه تراويح؛ لأن السلف كانوا يطيلون فيه القيام ويكثرون الركعات فيصلون عشرين ركعة، ويوترون بثلاث، وأهل المدينة كانوا يصلون ستاً وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، ويقرؤون قراءة طويلة، فكانوا يتروَّحون بين كل أربع ركعات بذكر، حتى ينشطوا للقيام، فهذا هو قيام رمضان الذي يحرص المسلمون عليه لرغبتهم في نيل أجره، ونِعمَّا هذه الرغبة؛ فإن هذه الصلاة بهذا الجمع لا تكون إلا في رمضان، ويستحب أن يختم الإمام بالناس القرآنَ الكريم، فهو شهر القرآن كما أنه شهر الصيام والقيام.
ومع أن كثيراً من الناس قد قلت هممُهم وضعفت عزائمهم عن مضاهاة السلف في كثرة الركعات وطول القيام؛ إلا أن السنة باقية بما تيسر، ومن توفيق الله تعالى لعباده أن كثيراً من المساجد أصبحت تصلي شطراً آخر من القيام بعد منتصف الليل أو أواخره، وهذا أمر حسن لاسيما إذا كان بعد نوم فإنه يكون تتمة للتراويح ويكون تهجداً، وهو ما كان يحبِّذه سيدنا عمر رضي الله عنه، حيث قال: «نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من الذي يقومون - يريد آخر الليل - فكان الناس يقومون أوله». ويعني بالبدعة أي الاجتماع على إمام واحد؛ لأنه رضي الله عنه خرج ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال: «إني أُراني لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحد كان أمثلَ، ثم عزم فجمعهم على أُبَيِّ بن كعب»، رضي الله عنه، فهذا الاجتماع سنة عمرية، وإن كان أصله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث صلى بالصحابة ليلتين أو ثلاثاً، فلما كثر جمعهم لم يخرج لهم خشية أن تفرض عليهم، وقال: «إنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها»، فلما أُمن الفرض بانتقاله إلى الرفيق الأعلى، رأى الخليفة الملهم هذا الجمع الميمون، وسماه بدعة، ويسمى في الفقه بدعة حسنة، وأجمع عليه المسلمون، ولا ريب في ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ».
*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه