ثم استقم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ورد في الحديث أن سفيان بن عبدالله الثقفي، رضي الله عنه، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، فقال له: «قل: آمنت بالله، ثم استقم»، جاء يسأله عن منهج يتبعه في حياته يغنيه عن سؤال غيره، فلم يزده النبي عليه الصلاة والسلام على كلمة جامعة «آمنت بالله، ثم استقم».

آمنت بالله تعالى تعني امتثال أمره واجتناب نهيه، وتعني أن لا يفقده الله تعالى حيث أمره ولا يجده حيث نهاه، والاستقامة تعني الثبات على هذا الإيمان حتى يلقى الرحمن سبحانه وتعالى، هذا هو المنهج السهل اليسير لمن أراد أن يكون مؤمناً حقاً حتى يجد ما وعده الله تعالى المؤمنين من صلاح حالهم ومآلهم، فالإيمان ليس فقط قولاً باللسان، وتصديقاً بالجَنان، بل هو قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فمن أراد الثبات على دينه فليلزم الاستقامة التي أمر الله تعالى بها الأنبياء، فضلاً عن عباده أجمعين، وها هو ربنا سبحانه يقول لمن شهد له بالاستقامة في آيات كثيرة، يقول له: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ)، فالاستقامة تعني مراقبة الله تعالى في جميع الأحوال؛ لأنه سبحانه يعلم من عباده السر وأخفى، فلابد أن يكون العبد في حال مراقبة دائمة، ويحاسب نفسه على الخطرات، فضلاً عن الأقوال والأفعال، ولا يعيها حق الوعي إلا من كان قلبه حياً، وعقله سليماً، ولشدة أمر الاستقامة فإنها شيَّبت النبي عليه السلام قبل المشيب، كما روي عنه قوله: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت»، أما سورة هود فللأمر فيها بالاستقامة، والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون والتكوير، فلتضمنها أحوال القيامة وما أعد الله تعالى فيها لأهل طاعته من النعيم، ولأهل معصيته من العذاب المقيم، وذلك جلي لمن تدبر هذه السور وألقى السمع.

وحيث إننا قد تدربنا على الاستقامة في شهر رمضان، فكنا حافظين لجوارحنا عن المعاصي، ومستعملين أبداننا في الطاعة والمسابقة إلى الخيرات، فإن الواجب علينا أن نثبت على هذا الحال الذي يحقق لنا مبدأ الاستقامة التي يترتب عليها عدم الخوف مما هو قادم، وعدم الحزن على ما فات، وتُحقق لنا البشارة بخيري الدنيا والآخرة، فالاستقامة هي مطلبنا من الله تعالى، لذلك نخاطب ربنا سبحانه في كل ركعات الصلاة قائلين: (اهدنا الصراط المستقيم)، حتى لا تزيغ بنا الأهواء، ولا يستحوذ علينا الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فالاستقامة هي سعادة الدارين، وبها ننال الحُسنيين.

اللهم ارزقنا الاستقامة وجنبنا الندامة.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix