عــدنا

أحمد أميري

عدنا.. لا لأننا ابتعدنا، بل لأننا اشتقنا للكلمة المكتوبة، للصوت الهادئ في زمن الضجيج، للمساحة التي نفكر فيها قبل أن نُعلّق، ونتأمل قبل أن نحكم. مر وقت طويل منذ آخر مقال، لكن الذاكرة لم تغب، والورقة البيضاء ظلت تنتظر، والفكرة كانت تتشكّل بصمت خلف زحمة الحياة.

في هذه السنوات، تغيّر كل شيء تقريباً، أصبحنا نعيش زمن «اللقطة»، حيث لا شيء يدوم أكثر من ثوانٍ، لا المشاعر، ولا المواقف، ولا حتى الأزمات. صار العمق رفاهية، والتأمل ترفاً.

لكن ما لم يتغير، الحاجة الصادقة إلى حديث مختلف، لا يُقال من أجل اللايكات، ولا بحثاً عن التفاعل، بل لأن هناك ما يستحق أن يُقال.

عدت لأكتب لأنني أؤمن أن للكلمة ثقلاً، ولأن الناس ما زالوا يبحثون عن صوت يعرف كيف يصمت أحياناً، وعن رأي لا يصرخ، بل يشرح، ويضيء.

عدت لأكتب عن وطن نكبر معه، لا لأنه يسبقنا، بل لأنه يمدّ يده ويدفعنا إلى الأمام، وعن تفاصيل صغيرة نعيشها كل يوم دون أن نلاحظها، لكنها تصنع الفرق، وعن الناس الذين نمر بهم، ولا نعلم كم في وجوههم من قصص تستحق أن تُروى.

عدت لأنني اشتقت أن أكتب لا عن الأحداث، بل عمّا بين سطورها.

عن الإنسان، اللحظة، التغيرات التي لا تُرى ولكن تُحس.

الكتابة مرآة لما بداخلنا.. وحين تشتد الرغبة في البوح، لا بد أن نعود، لأن الوقت حان.

لا أعد برأي يُرضي الجميع، لكنني أعد أن أكتب بصدق، أن أكون وفياً لما أؤمن به، وألّا أقول إلا ما أشعر به فعلاً في هذا الوطن، لا تعني العودة الرجوع إلى الخلف، بل تعني انطلاقة جديدة بثقة أكبر ونية أصدق. فالعالم يتغير، والناس تتغير، ونحن أيضاً نتغير.. لكن ما دام فينا نبض، وفي أقلامنا حبر، فهناك دائماً فرصة جديدة لنكتب، لنؤثر، لنحلم، ولنبدأ من جديد.

عدنا لنكتب عن الأمل، عن الإنسان، عن الحياة التي تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها.

ahmad.amiri1@outlook.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر
log/pix