استشراف التقاعد

يُعد استشراف فترة التقاعد من الوظيفة جزءاً لا يتجزأ من استشراف المستقبل، والاستشراف الذي أقصده في هذه المقالة يخص فئة ليست بالقليلة في مجتمعنا، على اعتبار أن لكلٍ منا وظيفة حكومية أو خاصة قد تنتهي بعد فترة.

لنبدأ أولاً بتعريف مفهوم استشراف المستقبل، وهو مجموعة من الإجراءات والأنشطة التي تعمل على تحسين عملية صنع القرار مستقبلاً، والهدف الأساسي منه يكمن في أن نكون في موقف أقوى، وفي حال من الاستعداد التام للاحتمالات والفرضيات التي قد نواجهها.

واستشراف المستقبل لا يعني التنبؤ بما هو قادم بل التبصر بجملة البدائل المتوقعة التي تساعد على الاختيار الأمثل لمستقبل أفضل.

والمتقاعد من وظيفته بإمكانه أيضاً استشراف مستقبله، والاستعداد بشكل جيد لحياة ما بعد الوظيفة، فالتقاعد من الوظيفة لا يعني نهاية الحياة، وإنما بداية لمرحلة جديدة.

كثيرون منا ينظرون إلى مرحلة ما بعد التقاعد على أنها الأكثر كآبة، ومملوءة بالألم والمرارة وانتقاد الذات والانعزال عن الناس. والسبب في هذا يعود إلى أن الموظف جعل حياته بأكملها مربوطة بوظيفته.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن الحياة الوظيفية مرحلة من مراحل عطاء الإنسان، ولا ينتهي هذا العطاء في مرحلة التقاعد، وإنما يستمر ما دمنا على قيد الحياة، ولا ينبغي للمتقاعد أن يستسلم لحياة الكسل والروتين والفراغ دون ممارسة أي نشاط جسماني أو ذهني لأن ذلك سينعكس عليه سلباً. لذا قد يكون استشراف المستقبل في حياة المتقاعد أمراً ضرورياً ويعطي نتائج إيجابية، إذا ما فكَر ملياً قبل تقاعده في كيفية الاستفادة لحقبة ما بعد التقاعد، من خلال إعداد قائمة بالأشياء التي قد يراها مناسبة لهذه الفترة من خلال تقوية العلاقات الاجتماعية، أو تطوير المهارات الشخصية أو ممارسة الرياضة أو السفر، أو تأسيس مشروع تجاري صغير للانشغال به، أو كثرة القراءة والإطلاع، وغيرها من الأمور التي قد يستمتع بها المتقاعد.

إذاً، طرق الاستمتاع كثيرة ومتنوّعة وفقاً لرغبات وأهواء الشخص، ولابد من أن نستوعب جيداً مفهوم التقاعد والتفريق بين الوظيفة كمنعطف والحياة العامة كمنهج حياة. وعلينا أن نكون في أتم الاستعداد للاستمتاع بهذه الفترة، وأن نستحضر ونستشرف فترة التقاعد من الآن والاستعداد بشكل جيد حتى يستمر العطاء دون الشعور بأي تغير في نمط حياتنا.

أكاديمي وباحث

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر
log/pix