حس المسؤولية.. نواة بناء المجتمع

دكتور سميرة النعيمي

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتعدد التحديات، يبقى حس المسؤولية الشريان النابض الذي يمدّ الإنسان بالقيم، ويشحذ فيه روح الإخلاص، ويغرس بداخله مبادئ الأخلاق والرحمة والوعي المجتمعي.

وحين يدرك الفرد واجباته تجاه نفسه ومحيطه، ويؤديها بإرادة حرة ودون رقابة خارجية، نعلم أننا أمام شخصية ناضجة وواعية، تستحق أن يُعتمد عليها.

وفي مجتمعنا الإماراتي، نحن كآباء وأمهات وتربويين وأفراد في نسيج هذا الوطن، نؤمن بأن غرس هذه القيمة العظيمة في نفوس أبنائنا هو استثمار للمستقبل، لأن الشخص المسؤول هو من يحترم التزاماته، ويحرص على أداء دوره، أياً كان موقعه.

الموظف الذي يُنجز مهامه بإتقان، ويطمح دوماً للأفضل لمؤسسته، ورب الأسرة الذي يحيط عائلته بالحب والرعاية النفسية والمادية، والطالب الذي يثابر في طلب العلم ويسعى إلى التفوق، بل حتى المتعامل الذي يتعامل مع النعمة والخدمة باحترام وامتنان، كل هؤلاء يشكّلون نماذج حقيقية لمجتمع واعٍ ومتماسك، يعرف قيمة العمل والابتكار والإنجاز، ويُقدّرها وينمّيها أيضاً.

وإن أردنا قياس هذه القيمة في سلوك الأفراد، فسنجدها في الالتزام بالمواعيد، والقدرة على الاعتراف بالخطأ وتحمل تبعاته، والمبادرة دون انتظار التوجيه، والسعي المستمر إلى تطوير الذات.

تنمية حس المسؤولية ليست أمراً عفوياً، بل هي ثمرة بيئة محفّزة، وقدوة حية. ولا أجمل من استحضار مواقف الأوّلين في تاريخنا العربي والإسلامي، ومواقف آبائنا المؤسسين الذين شيّدوا هذا الوطن على أكتاف المسؤولية والعمل الدؤوب.

واليوم تواصل قيادتنا الرشيدة السير على هذا النهج، مانحة للأجيال دروساً حية في التفاني والالتزام والعطاء.

لذلك من واجبنا أن نغرس في أبنائنا مفاهيم الطموح واستشعار المسؤولية وتحقيق الأهداف، وأن نعوّدهم على الانضباط الذاتي، وحب الآخرين، وحب العطاء، وأن نمنحهم الفرصة العملية والمساحة ليخطئوا ويتعلموا، فذلك أساس الثقة بالنفس وبناء الشخصية القوية.

في النهاية، حس المسؤولية ليس سلوكاً فردياً فقط، بل ثقافة عامة وركيزة من ركائز بناء المجتمعات المتقدمة، ومتى ما انتشر، عمّ الخير، وساد الاحترام، وتفتحت أمامنا آفاق لا حدود لها.

*خبير شؤون تعليم ومجتمع

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

 

تويتر
log/pix