الاستثمار في الذهب

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقدت الجامعة القاسمية في اليومين الماضيين مؤتمراً دولياً عنوانه «الاستثمار في الذهب: الممارسات والتحديات، رؤية شرعية واقتصادية»، حشدت له باحثين كثيرين، وقُدِّم فيه 47 بحثاً لمناقشة موضوعاته الكثيرة التي أربت على الخمسين موضوعاً، وحضره الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي، وكان النقاش فيه نقاشاً علمياً من حيث بيان أحكام المعاملات بالذهب، وأنواع التطبيقات القديمة والمعاصرة للتعامل به، وإيجابيات ومخاطر وضوابط ومحاذير التعامل بالذهب، إلى مسائل تأصيلية وفرعية كثيرة في هذا الباب من التعامل.

وقد جاء هذا المؤتمر في وقت اشتد فيه أوار التعامل بالذهب، نظراً لارتفاع سعره ارتفاعاً غير مسبوق، وفي ظل توقع أزمات وتضخمات كثيرة في المعاملات النقدية الورقية، فضلاً عن التعامل به كحلية تعدها النساء جزءاً من تكوين شخصياتهن، وما يترتب على ذلك من تبادلات بين قديمه وجديده وأنواع موديلاته المغرية.

وباعتبار أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد مركزاً رئيساً لتجارة الذهب عالمياً، حيث بلغت إحصاءات التعامل به العام الماضي قريباً من ملياري دولار أميركي، وبمعدل 23% من إيرادات الدولة مقارنة بمدخولاتها الأخرى، كما أفادته ورقة رسمية، كل ذلك استدعى أن يكون هذا المؤتمر غاية في الأهمية للتبصير في التعامل به حتى يكون وفق هدى من الله تعالى، وحذراً من محظور الربا فيه، وحتى يكون الاستثمار فيه محققاً للغرض بحفظ المال من غير وكس ولا شطط، كما هو منهج الإسلام في كل تشريعات معاملاته.

ومعلوم أن الذهب من نعم الله تعالى على عباده، حيث جعل ثمنيته في نفسه، وجعله مع الفضة قيم الأشياء حتى يسهل على العباد تبادل المنافع والحاجات بينهم، وحيث إن تداول نقديتهما قد انقطع تقريباً، وحل محلهما النقد الورقي الذي كان الأصل فيه رصيد الذهب، إلا أن هذا الأصل قد اختفى، ومع ذلك فمازال الذهب يفرض نفسه في البقاء ليكون رصيداً نقدياً، سواء كان خاماً أو مصنوعاً، فهو ملاذ الناس في حفظ أموالهم ومدخراتهم، ولابد أن يكون الحرص عليه وفق شرع الله تعالى الذي يحفظ لكل ذي حق حقه، وهو ما عني به هذا المؤتمر الذي جعل البحث فيه شاملاً لتحقيق المقصد الشرعي من حفظ المال، والنفسي في حب التكاثر فيه، والاجتماعي في أداء حقوقه حتى لا يكون وبالاً على صاحبه إذا قدم على ربه سبحانه وتعالى.

ومعلوم أن أحكام الذهب والفضة ليست جديدة، بل هي مؤصلة في تراثنا الفقهي بكل تفريعات مسائله، إنما الجديد هو حدوث التطبيقات المعاصرة في ظل الأسواق المالية والبورصات والفضاء الإلكتروني الذي غدا وسيلة كبرى لإجراء المعاملات المالية.

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر