التفقُّه في الدين
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من يُرد الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين»، والمعنى أن من سلك مسلك التَّفقه فذلك دليل خيريَّته؛ لأن الله تعالى ما وفقه لذلك إلا لما جعل فيه من الخير، ودل الحديث على أن هذه الخيرية ليست من إرادة العبد، بل هي من إرادة الله تعالى لعبده، وبذلك يكون من تفقَّه في الدين قد اصطفاه الله تعالى بالخيرية، ودل كذلك على شرف التفقه في الدين الذي لا يعادله شرف، إذ بسببه سيحقق معنى العبودية لله رب العالمين، وستكون أفعاله وأقواله وأحواله في ضوء الفقه الذي شرعه الله تعالى ورسوله للعباد ليعبدوه على بصيرة وهدى؛ لأن العبادة التي لا تكون على فقه لا تصح ولا تقبل، والمعاملات بغير فقه تكون غير صحيحة ولا يترتب عليها أثر، كما قال ابن رسلان رحمه الله تعالى: وكلُّ من بغير علم يعملُ * أعماله مردودةٌ لا تقبل.
ودليله حديث «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، أي مردود على صاحبه، ولا يقبله الله تعالى؛ لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه، صواباً على وفق شرعه، وبذلك نعلم مدى أهمية علم الفقه، وأنه الوسيلة الحقيقية لصحة الأعمال وقبولها، وقد دل الحديث على أن الفقه لا ينال بالتمني والأماني بل بجهد وعناء؛ لأن التَّفقُّه على وزن «تفعُّل» يعني تكلف الشيء، وذلك ببذل الجهد لحصول الفقه الصحيح من أولي الفهم والمعرفة، كما قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾، فلا يدرك بمجرد القراءة الذاتية سواء من الكتب أو المواقع المختلفة، أو السماع من الوسائل المتاحة، فإن هذا لا يعد تفقهاً، بل هي ثقافة قد يكون خطؤها أكثر من صوابها، فسبيل من أراد أن ينال الخيرية التي بشر بها النبي عليه الصلاة والسلام أن يشد العزم ويطلب الفقه من الفقهاء، ويبذل جهداً مشكوراً في الصبر على التحصيل لفهم أصوله وفروعه، حتى ينال شيئاً من الفقه الذي ينتفع به وينفع به غيره، فيكون ممن علم وعمل وعلَّم، وهذا هو الشرف الرفيع، كما قال بعضهم:
تفقه فإن الفقه أفضل قائدٍ
إلى البرِّ والتقوى وأعدلُ قاصدِ
هو العَلمُ الهادي إلى سنن الهدى
هو الحصن ينجي من جميع الشدائدِ
فإن فقيهاً واحداً متورعاً
أشدُّ على الشيطان من ألف عابدِ.
اللهم فقهنا في الدين.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه