حملات ضد العنصرية في أميركا.. وجورج فلويد يعيد روزا باركس إلى الواجهة
أثارت الحادثة التي وقعت، أخيرا، في أميركا، والتي أسفرت عن مقتل جورج فلويد الأميركي الأسود، البالغ من العمر 46 عاما، على يد شرطي أبيض في ولاية (مينيسوتا)، موجة من الاحتجاجات بين المواطنين السود، ما أدى إلى وقوع أحداث عنف بينهم وبين رجال الشرطة الأميركية، والتي تحولت إلى مشاهد تزداد اتساعا وتنتقل من ولاية إلى أخرى.
وبحسب وكالات، فقد رأى مراقبون أن حادثة مقتل جورج فلويد، ليست بمثابة حادثة معزولة، وأنها تؤشر إلى تنامي العنف والتطرف والتمييز في المجتمع الأميركي، ضد الأقليات وعلى رأسها الأقلية السوداء، ويشير المراقبون، إلى أن للحادثة دلالات واضحة على أن العنصرية لم تنته تماما داخل الولايات المتحد،ة رغم الصورة التي يجري ترويجها على أن المجتمع الأميركي ينعم بالعدل والمساواة وأن التمييز صار من الماضي.
ويشار إلى أن التمييز العنصري في أميركا عمره أطول من عمر البلاد، فمن زمن العبودية إلى الحرب الأهلية والاستقلال وأبراهام لينكون وتحرير السود في العام 1863، كان الصراع لإنهاء التمييز العنصري من أهم مكونات الدولة الأميركية الحديثة. مع ذلك فإن رواسب العنصرية استمرت. ثم خاض مارتن لوثر كينغ جونيور ورفاقه معركة الحقوق المدنية والمساواة في ستينيات القرن الماضي. وإذا كان انتخاب باراك أوباما في العام 2008 يشكل منعطفا تاريخيا كأول رئيس أسود للبلاد، فإنه لم يطو صفحة العنصرية والتفاوت العرقي والطبقي في أميركا اليوم.
وعلى الرغم من مرور أكثر من مائة وخمسين عاماً على قانون "تحرير العبيد"، الذي وقعه الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لينكولن، إلى أن المواطنين الأمريكيين السود، ما يزالون يتعرضون للتمييز من قبل مؤسسة الشرطة الأميركية والعديد من مؤسسات الدولة.
شغلت حادثة مقتل فلويد الرأي العام، وانشغل بها الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية والعالم أجمع، لأنها تؤكد أن التمييز العنصري في أميركا لا يزال مستمرا ضد سكانها من ذوي البشرة غير البيضاء. لا سيما وأنها تشبه بتفاصيلها حادثة وقعت في العام 2014، ففلويد، ناشد وتوسل الشرطي ليرفع رجله عن عنقه، وكانت كلماته الأخيرة "لا أستطيع التنفس" ووجهه على الأرض. "لا أستطيع التنفس" كانت أيضا الكلمات الأخيرة في 2014 لرجل أسود في نيويورك هو إريك غارنر قبل أن يقضي خنقا خلال اعتقاله من قبل الشرطة في المدينة يومها.
وانطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي وسوم وحملات عالمية، تصدرت قوائم الموضوعات الأكثر تداولا على مستوى العالم، ومن هذه الوسوم تصدر وسم BlackLivesMatter، الداعم لحقوق ذوي البشرة السوداء، كما تصدر أيضا وسمي "لا أستطيع أن أتنفس"، و"جورج فلويد"، والذي عبر من خلالهما النشطاء عن تضامنهم مع فلويد ورفضهم لكافة أشكال العنف التي تمارس بحق ذوي البشرة السوداء.
كما أطلق بعضهم حملة، على مواقع التواصل، تحت اسم "حياة السود مهمة"، وذلك في إشارة إلى حملة مدنية تحمل نفس الشعار للدفاع عن حقوق السود في الولايات المتحدة، والعالم أجمع.
من جانب آخر استذكر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من وصفوها بـ "أيقونة مكافحة التمييز العنصري في أميركا"، السيدة الأميركية السوداء روزا باركس والتي فجّرت قضيّتها ثورةً عارمةً للمُواطنين السّود في الجنوب الأميركيّ، أدّت إلى إلغاء أحد القوانين العُنصريّة في أميركا، متسائلين عما إذا كانت "جريمة خنق" جورج فلويد التي وصفوها بـ "البشعة" ستؤدي إلى حدوث ثورة مماثلة ضد عودة العنصرية في أميركا.
فقال أحد النشطاء: "يبدو آنّ جورج فلويد سيتحوّل إلى روزا باركس القرن الحادي والعشرين وسيكون مقتله نقطة فارقة في التاريخ الأميركي"، وتساءل آخر: "هل ستغيّر قضية جورج فلويد الوضع في أميركا كما فعلت روزا باركس؟".
كما أكد بعض النشطاء أن بمقدور شخص واحد أن يحدث التغيير، بإشارة منهم إلى باركس، فقال أحدهم: "إذا كنت لا تعتقد أنه في مقدور شخص واحد أو فعل واحد أن يصنع فارقاً في المجتمع، عليك أن تتذكر"روزا باركس" تلك السيدة السوداء التي كانت تعاني من الفصل العنصري، والتي رفضت أن تترك مقعدها في الحافلة لشخص أبيض.. تصرفها البسيط والشجاع كان السبب في تغيير حياة ملايين الأميركيين السود".
ويأتي ذلك في الوقت الذي هزت فيه الولايات المتحدة احتجاجات على مدى الأيام الخمسة الماضية، التي تحول الكثير منها إلى عنف، إذ أضرمت النيران في السيارات والمباني واستخدمت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، واعتقلت عددا من الصحفيين.
روزا باركس.. أيقونة مكافحة التمييز العنصري في أميركا
في 1 ديسمبر 1955، رفضت سيدة أميركية سوداء اسمها روزا باركس أن تترك مقعدها فى حافلة كانت تركبها فى طريقها إلى منزلها الواقع فى مدينة مونتجمرى بولاية آلاباما فى الجنوب الأميركى بعد أن أنهت يوما حافلا بالعمل حيث كانت تعمل كخياطة. كانت قوانين الولاية فى ذلك الوقت تنص على أن يدفع السود ثمن التذكرة من الباب الأمامى وأن يصعدوا الحافلة من الباب الخلفى، وأن يجلسوا فى المقاعد الخلفية. أما البيض فلهم المقاعد الأمامية، بل من حق السائق أن يأمر الركاب السود الجالسين أن يتركوا مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض.
ولكن فى ذلك اليوم تعمدت باركس ألا تخلى مقعدها لأحد الركاب البيض وأصرت على موقفها، رافضة بكل بساطة التخلى عن حقها فى الجلوس على المقعد الذى اختارته. فقام السائق باستدعاء رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القانون. وكان للحادث أثر كبير فى تأجيج مشاعر السود ضد الظلم والتمييز العنصرى، فقاطع السود حافلات الركاب لمدة سنة كاملة.
ورفعت القضية إلى أعلى هيئة دستورية فى الولايات المتحدة، واستمرت المحاكمة مدة 381 يوما. وفى النهاية خرجت المحكمة بحكمها، الذى نصر موقف روزا باركس، وتغير وجه حركة الكفاح ضد العنصرية على أساس اللون. وفى نهاية عام 1956 صار من حق السود الجلوس فى مكان واحد مع البيض وإعطاؤهم نفس الحقوق فى جميع القوانين. من هنا غيرت باركس حياة السود فى أمريكا بصورة دراماتيكية، ويعتبر تحديها واحدا من أهم الخطوات التى قام بها مواطن أميركى أسود من أجل الحصول على حقوق متساوية لما يتمتع به الأميركيون البيض.