«عندي حلم».. 57 عاما على الخطاب الأكثر بلاغة في تاريخ العالم لـ«مارتن لوثر كينغ»
صادف، يوم الجمعة 28 أغسطس، الذكرى الـ 57 للخطاب التاريخي «لدي حلم» الذي ألقاه الزعيم الأميركي من أصول إفريقية، والناشط السياسي الإنساني، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السّود، مارتن لوثر كينغ.
وأطلق اسم «عندي حلم» على خطاب مارتن لوثر كينغ الذي ألقاه عند نصب لنكولن التذكاري في 28 أغسطس 1963 أثناء مسيرة واشنطن للحرية، عندما عبر عن رغبته في رؤية مستقبل يتعايش فيه السود والبيض بحرية ومساواة وتجانس.
ويُعتبر اليوم الذي أٌلقي فيه هذا الخطاب من اللحظات الفاصلة في تاريخ حركة الحريات المدنية، حيث خطب كينغ في 250 ألفاً من مناصري الحقوق المدنية، كما يُعتبر هذا الخطاب واحداً من أكثر الخطب بلاغة في تاريخ العالم الغربي، وتم اختياره كأهم الخطب الأميركية في القرن العشرين طبقاً لتصويت كتاب الخطب الأميركية.
كما قال النائب في مجلس النواب الأميركي، جون لويس، الذي تحدث أيضاً في هذا اليوم بصفته رئيس إحدى المنظمات الطلابية المنضوية تحت حركة الحريات المدنية: «لقد كانت لدى الدكتور كينغ القوة والمقدرة على تحويل درجات سلم نصب لنكولن التذكاري إلى منبر. ولقد ألهم وعلم وأعلم كنغ بالطريقة التي تحدث بها ليس فقط الحاضرين المستمعين، ولكنه ألهم وعلم وأعلم كل الناس في كل أميركا وكل الأجيال المقبلة التي لم تُولد بعد».
وبعد أن أنهى كينغ قراءة خطابه المعد مسبقاً، ارتجل خاتمته التي كانت تُكرر فيها عبارة «عندي حلم»،التي ربما اقتبسها من أغنية ماهاليا جاكسون «قل لهم عن الحلم يا مارتن!». وقد ألقى خطاباً في ديترويت تضمن بعض المقاطع والأجزاء من هذا الخطاب في يونيو 1963، عندما سار في وودوارد أفينيو مع والتر رويتر والقس كليرنس فرانكلين.
اعتبر خطاب كينغ تحفة في البلاغة، فأسلوبه يُماثل أسلوب المواعظ المعمدانية، وفيه اقتباسات من مصادر محترمة ومعتبرة مثل الكتاب المقدس. وأشار كينغ في خطابه البليغ إلى العديد من العبارات والنصوص التي قيلت من قبل. ففي بداية خطابه، لمح كينغ إلى خطاب غيتيسبرغ الذي ألقاه أبراهام لنكولن بقوله «قبل 125 عاماً مضت...» (وقت الخطاب الذي قال فيه لنكولن إن كل البشر وُلدوا سواسية). كما أشار كينغ أيضاً إلى الإنجيل، فأشار، على سبيل المثال، إلى المزمور 5:30 في المقطع الثاني من خطابه.
وقال كينغ عن التحرير من العبودية، الذي ضُمن في إعلان إلغاء العبودية في أميركا: «لقد جاء هذا الإعلان كفجر بهيج لينهي ظلام ليل أسرهم». كما يوجد أيضاً اقتباس من الكتاب المقدس في المقطع العاشر بقول كينغ: «لا، لا، لسنا راضين، ولن نرضى أبداً حتى يجري الحق كالمياه، والبر كنهر دائم».
كما قام كينغ باستخدام الجناس، وهو تكرار العبارات في بداية المقاطع، واستخدم هذه الأداة البلاغية في كامل خطابه. فعلى سبيل المثال، استخدم كينغ الجناس في أول خطابه عندما دعا الجماهير المستمعة إلى إدراك اللحظة التي يقفون فيها بقوله: «الآن هو الوقت...»، وكررها أربع مرات في الفقرة السادسة. أما عبارة «عندي حلم» فقد كررها كينغ ثماني مرات عندما كان يرسم بخياله صورة لأميركا موحدة تؤمن بالمساواة والحرية. كما استخدم الجناس في مناسبة أخرى عندما كرر عبارة «لن نرتضي أبداً ولو بعد 100 عام أخرى»، وعبارة «وبهذا الإيمان»، وعبارة «دعوا الحرية تدق».
ويحيي الأميركيون في كل عام هذه الذكرى، حيث يتدفق عشرات الآلاف إلى العاصمة، للمشاركة في أسبوع إحياء «المسيرة إلى واشنطن من أجل الوظائف والحرية» التي نظمتها حركة الحريات المدنية قبل 53 عاماً، تتخللها النشاطات والفعاليات والخطابات المهمة والمؤثرة.
ويشتهر هذا الحدث بعدد من الأغنيات التي بدأت مع بداية المسيرة، مثل أغنية We Shall Over Come التي يؤديها المشاركون والفنانون خلال هذا الحدث.
وفي ما يلي مقتطفات مهمة من خطاب «عندي حلم»:
* عندي حلم بأنه في يوم ما على تلال جورجيا الحمراء سيستطيع أبناء العبيد السابقين الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين معاً على منضدة الإخاء.
* هذا هو أملنا. هذا هو الإيمان بأنه عندما أعود إلى الجنوب... بهذا الإيمان سنكون قادرين على شق جبل اليأس بصخرة الأمل. بهذا الإيمان سنكون قادرين على تحويل أصوات الفتنة إلى لحن جميل من الإخاء. بهذا الإيمان سنكون قادرين على العمل معاً، والصلاة معاً، والكفاح معاً، والدخول إلى السجون معاً، والوقوف من أجل الحرية معاً، عارفين بأننا سنكون أحراراً يوماً ما.
* عندي حلم بأنه في يوم ما سيعيش أطفالي الأربعة بين أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، إنما مما تحويه شخصيته.
* دعوا الحرية تدق. وعندما يحدث ذلك، عندما ندع الحرية تدق، عندما ندعها تدق من كل قرية ومن كل ولاية ومن كل مدينة، سيكون قد اقترب هذا اليوم عندما يكون كل الأطفال الذين خلقهم الله: السود والبيض، اليهود وغير اليهود، الكاثوليك والبروتستانت قد أصبحوا قادرين على أن تتشابك أيديهم وينشدون كلمات أغنية الزنجي الروحية القديمة: «أحرار في النهاية! أحرار في النهاية! شكراً يا رب العالمين، نحن أحرار في النهاية!».
* عندي حلم بأنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية.
* عندي حلم أنه في يوم ما بأن كل وطاء يرتفع، وكل جبل وأكمة ينخفض، ويصير المعوج مستقيماً، والعرقوب سهلاً. فيعلن مجد الرب، ويراه البشر جميعاً.
* عندي حلم أنه في يوم ما في ألاباما، بمتعصبيها العميان وحاكمها الذي تتقاطر من شفتيه كلمات الأمر والنهي؛ في يوم ما هناك في ألاباما ستتشابك أيدي الصبيان والبنات السود والصبيان والبنات البيض كإخوان وأخوات. أنا عندي حلم اليوم!
* أنا أقول اليوم لكم يا أصدقائي إنه حتى على الرغم من الصعوبات التي نواجهها اليوم والتي سنواجهها في الأيام المقبلة، لايزال عندي حلم، وهو حلم ضارب بجذوره العميقة في الحلم الأميركي.
يشار إلى أن مارتن لوثر كينغ ولد في 15 يناير عام 1929، وتم اغتياله في 4 أبريل 1968. كان زعيماً أميركياً من أصول إفريقية، وناشطاً سياسياً إنسانياً، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد السّود. في عام 1964 م حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوز عليها.
اغتيل في الرابع من أبريل عام 1968، واعتبر مارتن لوثر كينغ من أهم الشخصيات التي ناضلت في سبيل الحرية وحقوق الإنسان.
أسس لوثر زعامة المسيحية الجنوبية، وهي حركة هدفت إلى الحصول على الحقوق المدنية للأفارقة الأميركيين في المساواة، وراح ضحية قضيته.
رفض كينغ العنف بكل أنواعه، وكان بنفسه خير مثال لرفاقه وللكثيرين ممن تورطوا في صراع السود، من خلال صبره ولطفه وحكمته وتحفظه، حتى أن قادة السود الحربيين لم يؤيدوه، وبدأوا يتحدّونه عام 1965م.
ويعتبر كثيرون أن رسالة لوثر كينغ قد تحققت، وأن التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية في 20 يناير من سنة 2009. حيث يفخر الكثير من دول العالم بوصول رجل من أصول إفريقية إلى كرسي الحكم في الولايات المتحدة، لاسيما أن بعض الدول الأوروبية لم تصل إلى هذا القدر من الحرية بعد، رغم كونها من أولى الحاضنات للأفارقة.